مخاوف من عودة الهجرة غير الشرعية مع استمرار غياب خطط تجفيف
منابع الظاهرة
التحقيق لاقى تفاعلاً واسعاً، ودفع حكومة الدكتور بشر
الخصاونة حينها إلى الإعلان عن إجراءات مشددة لملاحقة المتورطين في هذه القضايا،
حيث جرى تحويل عدد منهم إلى القضاء لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم.
وسلك الشبان خلال الرحلة طرقا خطرة وواجهوا مخاطر كبيرة
ابتداء من الخروج القانوني من الأردن عبر تأشيرات سياحية، مرورا بعدة دول أوروبية
وأمريكية وسطى، وانتهاء برحلة برية شاقة من بنما إلى الحدود الأمريكية عبر دول عدة.
وفي التاسع عشر من حزيران عام 2024، أي بعد 21 يوماً من نشر
التحقيق، بدأت الجهات المختصة تنفيذ أولى الخطوات، فأوقف مدعي عام محافظة إربد
شخصاً لمدة 15 يوماً بتهمة الاتجار بالبشر، كما جرى منع صاحب مكتب خدمات سياحية من
السفر لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد على ذمة القضية، بموجب المادة 15/أ/3 من
قانون منع الاتجار بالبشر.
آنذاك، الشاب العشريني يحيى (اسم مستعار) أحد هؤلاء، شارك
تفاصيل رحلته التي استغرقت 41 يوما، بدء من لبنان، مرورا بالمملكة المتحدة
وهولندا، ثم بنما حيث التقى بمهاجرين آخرين.
ومن هناك انطلقت الرحلة البرية عبر الهندوراس وغواتيمالا
والمكسيك، حيث تعرضوا للخطف مرتين من قبل عصابات مسلحة، فقدوا خلالها أموالهم
وهواتفهم، وقضوا ليالٍ في ظروف صعبة داخل منازل العصابات، وسط طعام سيئ وحرارة
مرتفعة.
يحيى يصف تجربته بـ "أسوأ تجربة في العالم"، معتبرا
أن مهربين أردنيين قاموا بالنصب عليه وعلى آخرين، ما تسبب في تعقيد وضعه مع
العصابات المكسيكية، في حينها قبل أن يستطيع تجاوز المشكلة من خلال دفع مبالغ
مالية لتلك العصابات.
لكن رغم التحركات، لم تصدر عن الحكومة السابقة، ولا عن
الحكومة الحالية برئاسة الدكتور جعفر حسان، أية تفاصيل حول نتائج التحقيقات أو
الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق المتورطين، حسب ما رصد موقع "الدار
الإخباري".
كما لم تصدر أية توضيحات عن حقوق الضحايا الذين تعرضوا للنصب
أو الاحتيال من قبل من سهلوا هجرتهم، أو عن طبيعة العقوبات التي تم تطبيقها.
هذا الصمت الرسمي يثير تساؤلات حول مدى جدية الإجراءات
الحكومية في التعامل مع هذه الظاهرة، خاصة في ظل تقديرات غير رسمية تشير إلى أن
عدد من حاولوا الهجرة أو هاجروا فعلاً بهذه الطريقة يصل إلى الآلاف.
كما لم تكشف أي جهة رسمية عن العدد الدقيق للأردنيين الذين
غادروا بهذه الطريقة، أو أوضاعهم المعيشية سواء داخل الولايات المتحدة أو في الدول
التي عبروا منها مثل المكسيك وهندوراس وبنما وغيرها.
وبينما تبقى الأرقام والتفاصيل غائبة، تزداد المخاوف من تكرار
المشهد، مع استمرار غياب الخطط الحكومية الكفيلة بتجفيف منابع الظاهرة ومعالجة
أسبابها، وفي مقدمتها ارتفاع البطالة وتراجع فرص العمل.
السؤال المطروح اليوم: ما الذي فعلته الحكومات فعليا بعد عام
على الكشف عن هذا الملف؟
وهل تمت محاسبة من ثبت تورطه؟ وماذا عن مستقبل الشبان الذين
خاطروا بحياتهم في رحلة محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الأمل؟