كَيْفَ نهدم بَلَدنَا بحفنة من الترندات!!!

د. مَحْمُودٌ أبُو فَرْوَةَ الرَّجَبِيُّ
د. مَحْمُودٌ أبُو فَرْوَةَ الرَّجَبِيُّ
الدار -   يعيش العالم كله في حالة من الذهول والتشتت، بسبب منصات التواصل الاجتماعي، وعملية استعراض الفيديوهات القصيرة التي يتم إنتاجها يوميًا في أرجاء العالم – يتراوح عدد الفيديوهات المرفوعة على الـمنصات ما بين 46 و129 مليون فيديو قصير يوميًا-، وهذا العدد الهائل الذي يعتمد في معظمه على قصص واقعية ومفبركة، أو تمثيل إذا جاز التعبير، أدخل غالبية الناس في إشكالية اللهفة الرقمية التي تعني شغف متابعة كل شيء جديد، والاستمرار في التصفح لأن هناك شيئًا أحبه قد يظهر، مما يجعلني أعيش في دوامة، وحالة شبه انفصال عن الواقع، وهذا له مخاطر عديدة. 
أردنيًا: لدينا حسب موقع (datareportal.com) ‎6.45‎ مليون مستخدمٍ لمنصات التواصل الاجتماعي، يغرقون يوميًا في بحر من الفيديوهات المنتجة من مجموعة من الهواة والمحترفين، ولأن الخوارزميات تتعامل بمنطقية (الأكثر تفاعلاً هو الأفضل)، فإننا – اقصد الشعب الأردني- يتم اختراقنا يوميًا بفيديوهات لمجموعة من المؤثرين، الذين تظهر فيديوهات – بالقهر والإجبار – أمام عيوننا، وتقتحم خصوصيتنا، وتلون حياتنا بألوان تخالف قيمنا، وأخلاقنا، وعقيدتنا، وتطعم بالكلمات البذيئة أحيانًا، وبالصرخات غير المبررة في أحيانٍ أخرى، وبقصص تافهة – في غالب الأحوال-، وفي مشاهد يخجل الشخص أن تظهر أمام عائلته، وكلمات تنط فجأةً، لتخدش حياء أطفالنا، وكبارنا، وتعملقهم رغم صغر حجمهم، وتجعلهم ينضجون، قبل أوانهم. 
قديمًا، كان من يهوى الذهاب إلى المراقص، والملاهي الليلة، يذهب برجليه، ومن يريدها لا يعرف مكانها، ولكن وللأسف بعد ثورة منصات القهر الاجتماعي – وليت منظومتي القيمية تسمح لي بقول كلمة أخرى -، انتقلت المراقص، والملاهي إلى بيوتنا، وباتت هواتف البعض منا للأسف مكان لتجميع كل أوساخ العالم، وكي لا نتهم بالسلبية والتعميم نقول إن هناك من الشباب والفتيات في بلدنا الأردن، ووطننا العربي الكبير يصنعون فيديوهات جميلة، ومحتوى راقٍ، ونافع، ولكن الخوارزميات – الحاكم المطلق الديكتاتوري في هذا العالم الغريب – تقرر بناء على معايير ماكرة نشر ما تتفاعل معه الناس، وهل هناك تفاعل أكبر مع الـمحتوى الهابط، والاباحي، وما يخالف قيم الـمجتمع!
ولو استعرضنا بعضًا مما يزكم انوفنا، ويغشي أعيننا كل يوم، فذلك المؤثر يريد ابكاءنا بقصص "حرد زوجته" وتلك تريد "مقاهرة" جارتها التي تغار منها، وثالث يكشف عيوب صديقته السابقة، ورابعة تفضح زوجها السابق، وغيرها من الـمواضيع التي تأخذ حيزًا من اهتماماتنا، وتنسينا قضايانا المصيرية، ومعاركنا التي يجب أن نخوضها ضد البطالة، والظلم، والعدوان، والفساد، والفجوة العلمية، والاقتصادية، والطرق المكسرة في بعض المناطق، وغياب التنمية عن مناطق أخرى، إلى درجة أن همنا الأول يصبح " مين اللي فازت في مقاهرة أم سليمان، أو أبو عبد المعطي". وآه يا وطن، واليوم يومك يا سوسن. 
منصات التواصل الاجتماعي تعيدنا غالبًا إلى الوراء، وتمتص دمنا، وجهدنا، وتعطلنا عن معارك البناء، والتنمية، والتطور، وبلدنا العظيم بحاجة إلينا، وإلى جهودنا، وتركيزنا، وأخلاقنا لينافس دول العالم الأخرى في الوصول إلى الأفضل، فالحاضر والـمستقبل لا ينتظر، وكلنا بحاجة إلى محتوًى يبني لا يهدم، وهل يمكن البناء في محتوى فيروسي رائج، يروج للتفاهة؟ مجرد سؤال فيه من الألم أكثر مما نتصور

أخبار متعلقة