المجالس المركزية: بين النوايا الإصلاحية وتشظي الصلاحيات

75af20db-55f1-4931-a1dd-b539a58e1229
الدكتور عادل الوهادنة

الدار -

د. عادل محمد الوهادنة

في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى تعزيز المشاركة الشعبية وتحقيق التنمية المحلية المستدامة، برزت تجربة المجالس المركزية كإحدى الآليات اللامركزية التي أُريد لها أن تُقرّب القرار من المواطن وتوزّع الأدوار بين المركز والمحافظات. غير أن الواقع التنفيذي أظهر أن هذه المجالس، رغم أهمية الفكرة من حيث المبدأ، قد تحوّلت فعليًا إلى حلقة إضافية في سلسلة البيروقراطية، ولم تُحقق الأثر المرجو على أرض الواقع.
أولًا: غموض الدور وتشتت المرجعية
المجالس المركزية لم تُعرّف بدقة كسلطة تشريعية فرعية، ولا كذراع تنفيذية محلية، بل جاءت بصلاحيات ضبابية ومحدودة التأثير، مما جعلها في كثير من الحالات تُكرّر أدوار مجالس أخرى دون جدوى حقيقية. فبينما يملك مجلس النواب سلطة الرقابة على الحكومة، ويوزّع أعضاؤه جغرافيًا على مختلف المحافظات، نشأت المجالس المركزية بمقاربة موازية، ولكن دون أدوات تشريعية أو رقابية واضحة، مما خلق تداخلاً غير منتج في الصلاحيات.
ثانيًا: ضعف الأثر الرقابي والتنفيذي
المجالس المركزية – وفقًا لمتابعات ميدانية وتحليلات مستقلة – لم تنجح في ترجمة خطط التنمية المحلية إلى واقع ملموس، لا على مستوى البنية التحتية ولا الخدمات الأساسية. في أكثر من 70% من المحافظات، ظلت القرارات النهائية بيد السلطة التنفيذية المركزية، مع هامش محدود للمجالس المركزية في التأثير على أولوية المشاريع أو تخصيص الموارد.

ثالثًا: الوفرة المهدورة في المال والجهد
الهيكل الإداري واللوجستي الذي تطلبته هذه المجالس، بما يشمله من كوادر وأبنية وموازنات تشغيلية، استنزف جزءًا من الإنفاق العام كان يمكن توجيهه مباشرة إلى المشاريع الخدمية. بحسب التقديرات، فإن كلفة تشغيل هذه المجالس سنويًا تجاوزت 12 مليون دينار، دون عائد حقيقي يقابل هذا الرقم على مستوى التحسين الخدمي أو التنموي.
رابعًا: التأثير على ثقة المواطن
تعدد المرجعيات وتكرار الأدوار يضعف الثقة العامة بالمجالس المنتخبة. المواطن الأردني يبحث عن نتائج ملموسة، لا عن هياكل إضافية تزيد من الغموض في منطق اتخاذ القرار. وكان الأجدر – من وجهة نظر مؤسسات رقابية وتشريعية – أن تُعزّز صلاحيات المجالس الأساسية (مثل البرلمان والمجالس البلدية) وتُمنح أدوات تنفيذية ومالية أكثر وضوحًا بدلًا من خلق مجالس جديدة بمهمات رمزية.
خامسًا: إعادة النظر ضرورة لا انتقاص
الدعوة هنا ليست لإلغاء أو الطعن في النوايا الإصلاحية، بل لإعادة تقييم شاملة وعلمية، قائمة على مؤشرات الأداء، والكلفة/المنفعة، ومقارنة النماذج العالمية في اللامركزية. يجب أن تكون الرقابة من خلال مجلس النواب، والتنفيذ عبر قنواته الدستورية، لضمان الانسجام بين السلطات، وتعظيم الكفاءة، وإعادة ترميم الثقة الشعبية بالمؤسسات.
الخلاصة:
المجالس المركزية، رغم وجاهة منطلقها، لم تُحقق – حتى اللحظة – النتائج المرجوّة، بل أضافت طبقة من التعقيد البيروقراطي، وخلقت تداخلًا في الصلاحيات، وأثرت على الكفاءة المؤسسية. الإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة تمكين السلطات الدستورية القائمة بدلًا من توزيع الصلاحيات دون أدوات فعلية. فحين نضع الثقة في السلطة التشريعية ونربط القرار بالرقابة والمحاسبة، نقترب من منظومة سياسية أكثر كفاءة ووضوحًا

أخبار متعلقة