"الأردن يا مسند ظهرنا"—هكذا غرد السوريون عبر منصات التواصل الاجتماعي، شاكرين تلك الوقفة الأردنية الأصيلة التي تجاوزت البعد الإنساني لتصل إلى عمق الروح المشتركة بين شعبين تربطهما الجيرة والتاريخ والتلاحم الشعبي منذ عقود.
ما فعله النشامى في مواجهة حرائق اللاذقية لم يكن مجرد دعم لوجستي أو مهمة إنقاذ مؤقتة، بل كان امتدادًا لمسار طويل من المواقف الأردنية النبيلة تجاه الشعب السوري، لا سيما خلال سنوات الحرب الممتدة على مدى 14 عامًا. فبينما واجه السوريون أشكالًا متنوعة من التمييز في العديد من الدول، كان الأردن يحتضنهم دون منّة، ويفتح أبوابه ومدنه وقلوب مواطنيه أمام من جاؤوا فارين من أتون الحرب.
منذ بدايات الأزمة السورية، لم تُطلق الدولة الأردنية على السوريين صفة "لاجئين" في خطابها الرسمي أو الشعبي، بل كانوا دائمًا "أهلنا" و"إخواننا"، كما وصفهم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في أكثر من مناسبة. وهو موقف لم يكن مجرد كلام دبلوماسي، بل تجسد في واقع الدعم والإيواء، وتوفير التعليم والصحة والفرص داخل المجتمع الأردني، رغم ما يعانيه من ضغوط اقتصادية واجتماعية.
ويأتي تدخل الدفاع المدني الأردني الأخير لإطفاء حرائق اللاذقية كحلقة جديدة في سلسلة الدعم الممتدة، والتي لا تحكمها حسابات سياسية أو ظرفية، بل قِيمٌ راسخةٌ من الشهامة والنخوة العربية التي لطالما تميز بها الأردن على مر تاريخه.
لقد أيقظت الحرائق في الساحل السوري مشاعر التضامن العميقة، وذكّرت العالم بأن في منطقتنا شعوبًا ما زالت تؤمن بالأخوة الحقيقية، وتُجسّدها فعلًا لا قولًا. مشهد الطواقم الأردنية وهي تشق طريقها وسط الدخان والنيران لإخماد الحريق في أرض ليست أرضها، لكنه وجعها، سيبقى محفورًا في ذاكرة السوريين لسنوات قادمة.
في زمنٍ تعلو فيه الجدران السياسية وتُغلَق فيه المعابر، اختار الأردن أن يكون "مسند ظهر"، لا مجرد جار. أن يكون الحضن حين يضيق العالم، واليد التي تُطفئ النار حين تتراجع الأنظمة. وهنا يكمن الفارق بين الدول التي تُمارس السياسة، وتلك التي تُمارس الإنسانية.
السوريون الذين غردوا شاكرين: "الأردن يا مسند ظهرنا"، لم يكونوا يطلقون مجازًا أدبيًا، بل يسجلون شهادة وفاء في زمن عزّ فيه الوفاء.