وتاليا البيان الذي أصدره القضاء ووصل موقع "الدار" نسخة منه:
في الورقة النقاشية السادسة التي حملت عنوان " سيادة القانون أساس الدولة المدنية" كان جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه حريصاً على تطوير التشريعات بما يخدم قطاع العدالة ويدعم استقلاله ويوفر بدائل لحماية المجتمع من عودة الأشخاص لإرتكاب الجرائم ومنح فرص إصلاح النفس وفق سياسة جنائية عادلة، وعليه فإن العدالة الجزائية ليست مجرد عقاب، بل هي أداة لتحقيق التوازن في المجتمع وحماية الحقوق وصون الحريات والحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي وإعادة تأهيل الأفراد الذين أخطأوا لإعادة دمجهم بالمجتمع.
أخالف الأكثرية المحترمة فيما توصلت إليه بالموافقة على إقرار القانون المعدل لقانون العقوبات مبدياً التسبيب الآتي:
أ- المادة (25)/1 مكررة كما وردت في مشروع القانون المعدل وبعد إقرارها من مجلس النواب، والتي جاء فيها :
1- للمحكمة في الجنح كافة وفي الجنايات التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها بالأشغال المؤقتة أو الاعتقال المؤقت مدة ثلاث سنوات فيما خلا حالة التكرار.
أن تستبدل عند الحكم أو بعد صدوره العقوبة ببدل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية.
إذ لم تعلّق المادة إسقاط الحق الشخصي أو صفح المتضرر لغاية تطبيق العقوبة البديلة، رغم وجود جنح خطرة ولها أثر على الأمن والسلم المجتمعي، وتحقيق التوازن بين أطراف الدعوى الجزائية بما يضمن حقوق أطرافها، ورغم ذلك جاء النص مشتملاً على جميع الجنح على إطلاقها، ومنها جريمة الإحتيال، واستثمار الوظيفة، وإطالة اللسان علناً على أرباب الشرائع من الأنبياء، وجرائم السرقات جميعها في حدود الجنح، مما يُعطي فرصة لمن يرتكب هذا النوع من تلك الجنح للإفلات من العقاب عند تطبيق العقوبة البديلة، فمثلاً عدد جرائم الإحتيال السنوية في عام 2024 قاربت على أربعة آلاف جريمة احتيال خلافاً لأحكام المادة (417) من قانون العقوبات و(7750) جريمة احتيال إلكتروني بنفس العام بزيادة بلغت أربع أضعاف عام 2023، تم الإستيلاء من خلالها على ملايين الدنانير إضافة لما تشكله من أثر اقتصادي وتعكس صورة سيئة عن المجتمع والإستثمار وتُخل بسمعة مؤسساته وشركاته، وهذا ما شهدناه فعلاً من خلال قيام البعض بإنشاء شركات وهمية للتوظيف وشركات لجمع الأموال بحجة تحقيق أرباح وأشخاص يقومون بمحاولة الإستيلاء على الحسابات البنكية وغير ذلك من جرائم الاحتيال الإلكترونية الخطيرة والمجرمة في قانون الجرائم الإلكترونية.
مقدماً إقتراحي ان يتم تحديد الجنح البسيطة وشمولها بالعقوبات البديلة دون إسقاط الحق الشخصي وبذات الوقت تحديد الجنح الخطيرة وتعليق تطبيق العقوبات البديلة عليها بعد صفح الفريق المتضرر أو إسقاط الحق الشخصي.
ب- جاء في البند (ج) فقرة (1) من المادة (25) مكررة، نصاً جديداً غريباً وهو إخضاع المحكوم عليه لبرنامج علاجي من الإدمان بموافقته، كنوع من أنواع العقوبات البديلة.
إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية هو قانون خاص بجميع أوصاف جرائم المخدرات وعقوباتها، وتختص محكمة أمن الدولة بتطبيقه عليها، وهو قانون خاص أولى بالتطبيق لأن الخاص يقيد العام، ولم يرد به نص مشابه لهذه الفقرة، بل إقتصر على التسليم الطوعي بإرادة المتعاطي أو المدمن لنفسه إلى مركز علاج الإدمان للخضوع للعلاج دون عقاب ومجاناً، وهذه الحالة ليست عقوبة كما جاء بنص الفقرة (و) من القانون الجديد والتي تشكل عقوبة بديلة لا يجوز تنفيذها في مركز علاج الإدمان للحالات الطوعية لأنها تؤثر على نزلاء مركز علاج الإدمان الذين قاموا بتسليم أنفسهم للخضوع إلى البرنامج العلاجي والذي يمتد حتى 40 يوماً.
إن تطبيق العقوبة البديلة في هذه الحالة على المتعاطين الجدد يولد ذهنية وشعوراً لديهم ليستمروا بتعاطي المواد المخدرة لعلمهم أنهم حال ضبطهم فلن ينالوا عقوبة الحبس عند إرتكاب ثلاث قضايا تعاطي للمواد المخدرة حسب نص القانون الجديد، مما يوسع من إنتشار تعاطي المواد المخدرة، تماماً كما كان قانون المخدرات والمؤثرات العقلية عام 2010، والذي كان يُعفي المتعاطي من العقاب من أول مرة، آنذاك إنتشر تعاطي المواد المخدرة بشكل ملموس مما إقتضى فيما بعد إلى تعديل تلك المادة وفرض عقوبة الحبس على المتعاطي من أول مرة، وهذا ما أخشاهُ من الفقرة (و) المذكورة بأن يُركن متعاطي المخدرات للإفلات من عقوبة السجن إستناداً إلى تلك الفقرة، مؤكداً أن عقوبة الحبس لمتعاطي المخدرات من أول مرة تفوت الفرصة عليه من الحصول على المادة المخدرة أثناء وجوده نزيلاً في مركز الإصلاح والتأهيل من جهة، ومن جهة أخرى تم إنشاء مركز علاج الإدمان داخل مراكز الإصلاح والتأهيل والذي يتسع إلى (80) سريراً، يقدم الخدمة العلاجية لمن هو موقوف أو محكوم بعقوبة قضائية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل.
كما أن تطبيق هذه المادة على الواقع شبه مستحيل إذا ما عرفنا أن الأشخاص المتعاطين غير المكررين في سنة 2024 قد بلغ 9628 شخصاً جديداً، فكيف سيتم إخضاعهم عملياً لبرامج علاجية إذ لدينا في مركز شفا بدران والتابع لوزارة الصحة الذي يتسع لـ 40 سريراً فقط، ومركز علاج الإدمان في عرجان التابع لإدارة مكافحة المخدرات والذي يتسع إلى 170 سريراً بما مجموعه 210 أسرة، فأين سيكون المكان الذي سيتم إخضاع آلاف المدمنين والمتعاطين، وهل لدينا القدرة للإشراف الصحية والإستيعابية على هذا العدد.
مقترحاً أن يتم شطب البند (ج) من الفقرة (1) من المادة (25) ومؤكداً على أن العقوبات البديلة لا تتناسب بالشكل الذي ذكرته المادة مع مشكلة متعاطي المخدرات نظراً للحلول التي وردت في قانون المخدرات والتي تغطي هذه الجزئية، وهو الأولى بالتطبيق.