تكاليف الزواج حلم يتحول إلى عبء

.
د.فاديا إبراهيم - استاذة علم اجتماع
الدار -  العادات والسلوكيات الاجتماعية لا تأتي وليدة لحظه، إنما هي نتاج فتره زمنية طوليه من الخبرات والممارسات الانسانية التي تعيشها جماعه بشرية محددة،وهذه الممارسات أيضاً لا تاتي من فراغ إنما من منابع دينية وأخلاقية واجتماعية. 
المهور واحده من الممارسات الاجتماعية المأخوذة من الدين أو الشريعة الإسلامية.
و تناقلناها عبر فترة زمنية طويلة كحق شرعي واجب للزوجة، لم تحدد فيه الشريعة القيمة الدنيا أو العليا، لكن بدا واضحاً أن الشريعة الإسلامية لم تشجع على المغالاة في المهور والدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم" أقلهن مهراً أكثرهن بركة".
في وقتنا الحالي نرى أن المهور وتكاليف الزواج والمغالاة أو المبالغة فيها أصبحت ظاهرة اجتماعية تعيق المقبلين على الزواج،وكانت سبباً في تأخر وإرتفاع سن الزواج، بل في بعض الأحيان عزوف بعض الأشخاص عن الزواج، خصوصاً مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المجتمع في السنوات الأخيرة.
قد يكون السبب الاول في هذه الظاهرة هو  التفاخر الاجتماعي والمظاهر. فكثير من العائلات تعتبر ارتفاع المهر وكثرة التكاليف دليل مكانة اجتماعية، فتقارن نفسها بعائلات أخرى، و تتحول حفلات الزفاف إلى منافسة في البذخ.أيضاً الضغوط العائلية والتقليد. فبعض العائلات لا تضع الشروط من قناعتها، بل لأن الناس هكذا تفعل، أو لأن العادة جرت في هذه العائلة أو في هذه المنطقة على هذا النحو. 
أيضاً أحد الاسباب المهمة في إرتفاع المهور هو الاعتقاد بأن المهر ضمان لحقوق الفتاة. فيُنظر للمهر على أنه ضمان اقتصادي أو مالي للمستقبل، خاصة في المجتمعات التي تخاف على مصير المرأة و حقوقها بعد الطلاق.
أيضاً غياب الوعي والتربية على البساطة
فقد قلّ التركيز في التربية على القيم الجوهرية للزواج، مثل المودة والتفاهم، وزاد التركيز على الشكل والمادة. ومع انتشار مواقع التواصل الإجتماعي و الانترنت اصبح العالم مادي، وأصبح الأفراد يسعون لتحقيق المكاسب المادية بالدرجة الأولى في هذه الحياة، متجاهلين المكاسب الاجتماعية والإنسانية. فصور حفلات الزفاف الباذخة ومحاولة التقليد يولد ضغوطاً على الشباب المقبلين على الزواج.
والمفارقة قد يكون تدهور الأوضاع الاقتصادية وصعوبة المعيشة أحيانًا سبب لرفع المهور كرد فعل على صعوبة المعيشة، و رغبةً في ضمان حق البنت لكن النتيجة تكون عكسية وتؤدي إلى تأخير الزواج.

و للتخفيف من ظاهرة ارتفاع المهور وتكاليف الزواج من الممكن استخدام الخطاب الديني لإقناع افراد المجتمع من خلال خطبة الجمعة ودروس المساجد وتسليط الضوء على سُنة التيسير في الزواج. و التأكيد على أن البركة في الزواج لا تأتي من كثرة المال بل من الأخلاق والمعاملة الطيبة. أيضاً دور العلماء والمؤثرين الدينيين، و توجيه الفتاوى والنصائح لمواجهة المغالاة والمبالغة الغير مستحبه في الدين.
و إعادة تعريف مفهوم الزواج الناجح
و التركيز على المودة والاستقرار والتفاهم بدلًا من المظاهر والبذخ.وإظهار دور الأمهات والآباء في تغيير العقلية الأبوية بأن غلاء المهر دليل على مكانة الفتاة.
و تشجيع البنات على تقدير البساطة بدلًا من الفخامة الزائفة. 
نشر الوعي من خلال الإعلام والتعليم
و برامج تلفزيونية وحملات على وسائل التواصل تبرز نماذج ناجحة لزواج بسيط وسعيد.و إدخال مفاهيم الزواج المبني على القيم في المناهج المدرسية من خلال دروس التربية الاجتماعية أو الأسرية. 
ومن الضروري إبرام اتفاقات عرفية داخل العائلات والعشائر، كأن تتفق العائلات على سقف مهر محدد ومعقول لتجنب التنافس والتفاخر.
إن ارتفاع المهور وتكاليف الزواج مشكلة، لكننا نحن من نصنعها، ونحن وحدنا القادرون على حلّها. في زمن تتسارع فيه الأزمات الاقتصادية، وتثقل كاهل الشباب المسؤوليات، حيث أصبحت المهور وتكاليف الزواج عبئاً يعيق الكثيرين عن بناء أسرة، ويؤخر الاستقرار، بل ويدفع بعضهم للعزوف عن الزواج تمامًا. 
ولا ننسى أن من الاثار السلبية لإرتفاع المهور وتكاليف الزواج هو ضعف الترابط الأسري والمجتمعي. فحين يُبنى الزواج على التكاليف الباهظة وليس على القيم، يكون هشاً وعُرضة للانهيار.و التفاخر قد يخلق توتراً بين العائلات.أيضاً قد يؤدي إلى ازدياد نسب الطلاق المبكر، فأحياناً يُرهق الزوج مادياً بسبب المهر والدّيون والقروض ، ما يولّد ضغوطًا نفسية تؤثر على الحياة الزوجية.و حين يكون الأساس مادياً، يسهل الانفصال عند أول خلاف.

أخبار متعلقة