فرقة جلعاد: ما بين التشكيل والأهداف والمخاطر المتوقعة

فرقة جلعاد
فرقة جلعاد

الدار -  لم يكن الإعلان عن تأسيس فرقة “جلعاد” في الجيش الإسرائيلي ونشرها على طول الحدود الشرقية التي تفصل بين الأردن من جهة، وإسرائيل والضفة الغربية من الجهة الأخرى في أواخر العام 2024 مفاجئًا من حيث المبدأ، فقد سبق هذا الإعلان انتشار وإعادة انتشار لفرق ووحدات من الجيش الإسرائيلي عبر الحدود عدة مرّات، لكن الفارق هذه المرّة هو أن الفرقة “جلعاد” قد تم تأسيسها لتكون جزءًا من القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي بشكل دائم، تُعنى فقط بحراسة الحدود الشرقية الممتدة من جنوب لبنان (طبرية) إلى أن تصل إلى منطقة رامون أقصى الجنوب.
بدأ التفكير في إنشاء هذه الفرقة في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2024، وقد كان من المفترض أن تباشر عملها في حدود عام من ذلك التاريخ، لكن الأحداث الأخيرة التي واجهتها المنطقة، متمثلة بالحرب على إيران، أو ما يُسمى عملية “شعب كالأسد” كانت السبب الرئيس في تسريع عملية الإنشاء التي أخذت، بحسب بعض المصادر، 48 ساعة من لحظة الهجوم الأولي على إيران الذي كان قد اندلع في فجر 13 يونيو/حزيران العام الجاري.

فرقة جلعاد: سياق التشكّل
تاريخيًا، قامت إسرائيل بتشكيل ونشر وحدات مؤقتة محاذية للحدود الأردنية، منها وحدة “تام” في العام 2017، والتي كانت وحدة ضمن وحدات النخبة في الجيش، وأفرادها من المقيمين في المستوطنات المحاذية للحدود الأردنية، وكانت مهمتها تنحصر في عمليات الرد السريع لمواجهة أي حدث يخل بالأمن عبر الحدود، لكن هذه الوحدة لم تستمر طويلًا، إذ تم ادماجها في وحدات أخرى في الأعوام اللاحقة واستعيض عنها بلواء الأغوار الذي تم ضمّه إلى فرقة جلعاد مؤخرًا.
تتكون فرقة جلعاد من 10-15 ألف جندي معظمهم من الاحتياط، والغالبية العُظمى منهم من سكان المستوطنات المقامة على الأراضي المحاذية للحدود الأردنية، وقد تم منح جنود الفرقة ميزة الاحتفاظ بسلاحهم وعتادهم الشخصي في منازلهم بهدف التعبئة السريعة، وتتلخص مهام الفرقة حسبما ورد في البيانات والتصريحات الرسمية في إنشاء حزام عسكري وأمني استباقي عبر الحدود الشرقية لمنع تهريب الأسلحة أو تسلل خلايا مسلحة من الأردن.
ويعزز إنشاء فرقة جلعاد الرؤية الإسرائيلية لحدودها حيث ورد على لسان نتنياهو في أكثر من مناسبة، أن إسرائيل لن تخرج من غور الأردن وستبقي فيها قوات إسرائيلية بشكل دائم مهما كانت الترتيبات المستقبلية.  

ووفق المعلومات المتاحة عن فرقة جلعاد، فإن أبرز مهامها ومسؤولياتها تتمثل فيما يلي:


Image1_7202522172815157723256.jpg

 

 

 

تكوين وتشكيل “جلعاد”
تم تشكيل الفرقة من عدد من الألوية النظامية والاحتياطية، حيث ضمّت لواء 417 واسمه الرسمي417th Territorial Brigade – Jordan Valley وكانت مهمّته الرقابة والدفاع عن وادي الأردن، على الحدود الشرقية من البحر الميت شمالًا حتى الجنوب، وهو مؤلف من كتيبتي احتياط. كما تضم الفرقة اللواء الإقليمي 406 واسمه الرسمي Yoav Territorial Brigade وهو تشكيل إقليمي احتياطي مكلف بتأمين المنطقة الغربية من السياج الحدودي مع مصر، وكان يتبع للفرقة 80، وستتحول مسؤولياته إلى حماية المنطقة من مفترق مسعدة إلى مطار رامون بقيادة العميد أورين سيمخا. 
من جهة أخرى، سيتم ضم ألوية داوود وهي ألوية احتياطية تحت الفرقة الناشئة حديثًا، تتشكل من خمسة ألوية احتياط من المتطوعين بين الأعمار 38-58 لديهم الخبرة العسكرية والمدنية الكافية، وهي ألوية مشاة خفيفة لأغراض الاستطلاع والاتصال، كما أن لهم ميزة غير معتادة بين الجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي كما تم ذكره سابقًا، وهي الاحتفاظ بعتادهم وأسلحتهم بالإضافة إلى مركبات الدوريات الخفيفة والمحصنة بغرض التعبئة الفورية السريعة.


Image1_7202522172910930413837.jpg

الحديث في الداخل الإسرائيلي

بعد أن خاضت إسرائيل حربًا على مختلف الجبهات بهدف تحييد “محور المقاومة” في جنوب لبنان واليمن ونظام الأسد، أو كما تُطلق عليهم “وكلاء إيران” في المنطقة، تصاعدت الدعوات إلى الانتباه إلى الحدود المشتركة الأكثر طولًا بين إسرائيل والأردن، بينما تأتي تصريحات السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أن إيران تدعم وتحرك خلايا وحراكات تابعة لها مقيمة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، وبالتالي يجب أن يتم رفع جاهزية جيش الدفاع وحماية الحدود وتطوير المعسكرات وإقامة قواعد مسيرّات كأحد تطبيقات درس “السابع من أكتوبر” والتي تتلخص في حدود محمية، واستيطان قوي، واستعداد مسبق للتهديدات بدلًا من القيام بردود فعل على هجمات قد تقع في أي لحظة.
ما وراء الأهداف المعلنة
لا يخفى على الظاهر أن إسرائيل انتهجت نهجًا عبر تاريخها يجعل المراقب يفكر مرّات ومرّات قبل أن يصدّق ما يصدر على لسان ساستها، ومن هذا المنطلق، فإنه من الواجب الشك في أهداف إنشاء هذه الفرقة التي صرّح عنها المسؤولون السياسيون والعسكريون مؤخرًا.
ولا يخفى أن إسرائيل ذات مشروع توسعي، وليست دولة محددة بحدود رسمية موثقة ومعترف بها، وذلك وفق مبدأ الستاتوس-كو الذي تم ترسيخه عام 1967 ويعاد استدعاؤه حين يتطلب الأمر من إسرائيل تبريرًا لاحتلال جزءٍ من أراضي مجاورة جديدة.
إن الهدف الظاهر من إنشاء فرقة جلعاد هو حماية الحدود الشرقية لإسرائيل، والتي تعتبر أطول حدود مشتركة مع الدول المحيطة، وتشمل فيما تشمله 97 كيلو مترًا من ضمن الضفة الغربية، و238 كيلو مترًا مع الأراضي المحتلة الأخرى، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن حماية الحدود تتمثل في الحد من تهريب الأسلحة، ومنع أي تهديد مسلّح قد يأتي عبر الأردن، وبينما تشيُع المؤسسة السياسية والإعلامية الإسرائيلية، بأن هناك مخططات إيرانية لدعم مجموعات مسلحة وخلايا قد تقوم بعمل عسكري مفاجئ ضد إسرائيل، فإن دور هذه الفرقة سيكون أوسع مما هو مُعلن، إذ قد يتم تحريك الوحدات العسكرية تجاه مدن الضفة الغربية في حال حدوث أي نوع من المقاومة، مما يعني تحولها من فرقة دفاعية إلى هجومية إذا استدعى الأمر، كما أنها ستعمل -في هذه الحالة- على تقطيع الجزء المتبقي من أراضي الضفة وإقامة مستوطنات جديدة ضمن سياسة الأمر الواقع المتبعة من حكومات نتنياهو المتعاقبة.
وبالنظر إلى الأحداث الأخيرة التي شهدها الجنوب السوري من اقتتال بين أهالي السويداء بدوًا ودرزًا، وبالتحديد إلى التصريحات الإسرائيلية التي تزعم فيها أنها مسؤولة عن حماية دروز سوريا مما يدفعها إلى الدخول بجيشها إلى العمق السوري وإقامة وتوسيع مناطق وقف إطلاق النار كما تسميها، بالإضافة إلى اعتداءها على الجيش السوري ودفعه إلى الخروج من السويداء وقصف مبنى الأركان العامة ووزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي، فإن ذلك يشير إلى أن إسرائيل لا تتوانى ولا تضيع أية فرصة أو نصف فرصة لاحتلال أرض جديدة وتوسعة حدود “دولتها”.
الخطر الداهم لحدود شرق النهر
إن نشر فرقة جلعاد بعدّتها وعدّاتها على طول الحدود الشرقية لإسرائيل، الغربية للأردن يستدعي التفاتة جادّة لما تشكله من تهديد على الأمن القومي الأردني في الوقت الحالي وفي المستقبل، وإذ كان من المتعارف عليه نشر قوات حرس حدود بين أي بلدين متجاورين، فإن الحالة هُنا أعقد مما هي عليه.
ومع تصاعد حدّة الصهيونية الدينية التي تؤمن بأن “للنهر ضفتان، هذه لنا، وتلك لنا أيضًا” وتزعم الليكود الذي يعود إلى استحضار عقيدة وروح فلاديمير جابوتنسكي التي تؤمن بأرض إسرائيل الكبرى، فإن طموح إسرائيل في قضم واحتلال المزيد من الأراضي، شمالًا، جنوبًا وشرقًا، وتهجير الفلسطينيين “طوعًا” و “قسرًا” لا يتوقف عند حدود أو أهداف محدودة، وهو ما يستدعي وضع هذا الخطر في أعلى سلّم الأولويات من قبل الدولة الأردنية، طالما بقيت الصهيونية الدينية تتحكم في صنع القرار العسكري بشأن الضفة الغربية، لا سيّما بعد نقل صلاحيات الإدارة المدنية للأراضي المحتلة من الحاكم العسكري الإسرائيلي، إلى الحُكم المدني بزعامة سموتريتش.

أخبار متعلقة