التوأم العربي: أبناء بلاد الشام يفتحون بوابة التكامل عبر الطاقة والإدارة

الدار -  كتب :بشار العتمة

في خطوة تُعيد رسم معالم التعاون العربي من جديد، شهدت العاصمة الأردنية عمّان، يوم الأربعاء 2 يوليو، زيارة وفد سوري رفيع المستوى، حمل معه ملفات حيوية تُنذر بمرحلة جديدة من التكامل الإقليمي بين الجارتين: سوريا والأردن. الزيارة، التي وصفت بأنها "أكثر من دبلوماسية"، أسفرت عن توقيع اتفاقيات استراتيجية في مجالي الطاقة والإدارة المحلية، لتفتح الباب أمام تعاون شامل يتجاوز السياق التقليدي ويصل إلى روح "التوأم العربي" لأبناء بلاد الشام.
الطاقة بوابة التكامل
الجانب الأبرز في هذه الزيارة تمثل في التوافق على مرور الغاز القطري عبر الأراضي الأردنية باتجاه سوريا، في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحوّل في مشهد الطاقة في المنطقة. كما توافقت الجهتان على برامج مشتركة في مجال الطاقة الكهربائية، تشمل تبادل الخبرات، والتدريب الفني، والاستفادة من البنية التحتية الأردنية في مشاريع إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية السورية.
وفق مصادر رسمية من وزارة الطاقة الأردنية، فإن الجانب السوري أبدى اهتماماً كبيراً بنموذج الأردن في تطوير البنية الكهربائية وتحقيق الاستقرار الطاقي، وسط مساعٍ لإعادة بناء قطاع الكهرباء في سوريا الذي تضرر بفعل سنوات من الحرب والعقوبات.
من البلديات إلى بناء الدولة
إلى جانب الطاقة، شهدت الزيارة محادثات معمقة حول التعاون في مجال الإدارة المحلية والبلديات، حيث اتفق الجانبان على برامج تدريب وتبادل زيارات بين كوادر البلديات، ونقل الخبرات الأردنية في مجالات التنظيم الحضري، إدارة الموارد، والخدمات البلدية.
تأتي هذه الخطوة في سياق دعم عملية اللامركزية التي بدأت سوريا بالتحضير لها منذ بداية المرحلة الانتقالية، حيث تمثّل التجربة الأردنية نموذجاً ناجحاً في التوازن بين الحكم المحلي والمركزي، واحتواء التحديات الاقتصادية والخدمية.
أبعاد سياسية واقتصادية أوسع
لكن ما وراء هذه الاتفاقيات، يتكشف مشهد سياسي أعمق. فزيارة الوفد السوري تُعد مؤشراً على تنامي العلاقة بين البلدين بعد سنوات من التوتر، وتعكس تحوّلاً في مواقف إقليمية متسارعة تعيد دمج سوريا تدريجياً ضمن المنظومة العربية.
من منظور استراتيجي، يمثّل التعاون في الطاقة والإدارة جزءاً من إعادة تشكيل دور سوريا في المنطقة، ضمن رؤية أكثر براغماتية تتشارك فيها عمّان ودمشق. ويؤكد محللون أن هذا التعاون يحمل أبعاداً تتجاوز ثنائية الأردن وسوريا، إذ إنه يُهيّئ الأرضية لتنسيق اقتصادي أوسع يضم دولاً مثل العراق ولبنان وقطر، تحت مظلة جديدة من التعاون الشامي.
مكاسب مزدوجة: الاقتصاد والأمن
على الصعيد الاقتصادي، ينتظر أن يسهم مرور الغاز القطري في توفير دخل ترانزيت إضافي لخزينة الأردن، وفي دعم جهود سوريا لإعادة بناء قطاع الطاقة. كما أن هذا النوع من التعاون من شأنه أن يُعزز من فرص الاستثمار المتبادل، ويخلق فرص عمل، ويعيد الحركة التجارية إلى المعابر الحدودية.
أما من الناحية الأمنية، فإن ازدياد الروابط الاقتصادية والإدارية يعني حكماً استقراراً أكبر على الحدود، وتنسيقاً أمنياً أكثر نضجاً. وهو ما يعكس مصلحة متبادلة للبلدين، بعد سنوات من عدم الاستقرار.
نحو شراكة استراتيجية جديدة
يأتي هذا الانفتاح بين عمان ودمشق في ظل تحولات إقليمية متسارعة، تشهد فيها المنطقة تقارباً عربياً مع سوريا بعد رفع جزء من العقوبات الدولية، وتغيير القيادة السياسية في دمشق، مما جعل من الممكن الانخراط مجدداً في مسار التعاون الإقليمي.
لقد أعادت زيارة 2 يوليو التأكيد على أن شعوب "بلاد الشام" تظل متصلة تاريخياً وجغرافياً، وأن مستقبلها لا يمكن إلا أن يُبنى بالتكامل لا الانفصال. فحينما تضع السياسة أدواتها جانباً، يتحدث التاريخ والجغرافيا بلغة واحدة: "التوأم العربي" قد عاد يتنفس مجدداً.

أخبار متعلقة