بين النزاهة والتشهير.. هل خدم الوزير الجامعات الأردنية أم أساء إليها؟

أ.د. تركي الفواز
أ.د. تركي الفواز
الدار -   في خضم الجدل المثار مؤخرًا حول ما يُعرف بـ"مؤشر النزاهة البحثية"، خرج وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتصريحات غريبة في توقيتها، حادة في لهجتها، وخطيرة في تبعاتها، بدلاً من أن يتولى الوزير مسؤولية الدفاع عن الجامعات الأردنية في وجه تصنيف غير معترف به دوليًا، ويُسهم في تهدئة الرأي العام، اختار أن يضرب مصداقية مؤسسات التعليم العالي في الأردن بمطرقة ثقيلة، متجاهلًا حجم الضرر الذي قد يلحق بها محليًا وعالميًا، هذا المؤشر  كما هو معلوم  ليس صادرًا عن جهة تصنيف أكاديمية محايدة أو مؤسسة دولية ذات مرجعية علمية، بل هو مبادرة فردية لقياس ما سُمي بمؤشرات "النزاهة"، وافتقر منذ بدايته إلى المعايير المقارنة، وافتُرض فيه أن الأرقام المجتزأة تُعبّر عن الواقع الأكاديمي برمّته.
رغم أن المؤشر وُصف بأنه "مقياس مركّب في العالم قائم على بيانات تجريبية، صُمم لتحديد وتحليل المخاطر المؤسسية المتعلقة بالنزاهة البحثية"، وطوّره البروفيسور لقمان مِحّو في الجامعة الأمريكية في بيروت، غير أن الطرح النظري وحده لا يبرر هذا الاعتماد غير المدروس من قبل جهات رسمية، خاصةً وأن المؤشر لم يستند إلى تحقيقات ميدانية أو مراجعات مؤسسية معمقة، رغم ذلك  لم يكتفِ الوزير بعدم التشكيك في هذه المنهجية، بل سار إلى ما هو أبعد من ذلك، مكرّسًا اتهامات مباشرة إلى الجامعات الأردنية كافة، وكأنها مؤسسات متورطة في السرقة والتزوير وفبركة الأبحاث، وبدلاً من الوقوف إلى جانب الباحثين الأردنيين ومؤسساتهم التي تعاني أصلًا من ضغوط مالية وتنافس غير متكافئ مع جامعات دولية مدعومة، إن التعميم بأن "جميع الجامعات الأردنية غير سليمة"، كما ورد في تصريحه، ليس فقط مجحفًا، بل يمثل تهديدًا مباشرًا لصورة الأردن الأكاديمية في الخارج، ويضرب ثقة الطلبة والشركاء الدوليين، بل حتى أعضاء الهيئات التدريسية أنفسهم.
من المثير للدهشة أن الوزير لم يأتِ على ذكر حقيقة أن نفس المؤشر شمل جامعات عالمية مرموقة، منها عشرات الجامعات البريطانية والألمانية والسعودية، ولكن لم نشهد أي جهة رسمية في تلك الدول تبنت مثل هذا  الخطاب، بل على العكس، تعاملت مؤسسات تلك الدول مع نتائج المؤشر كمدخل لنقاش داخلي هادئ حول ممارسات النشر، لا كأداة لجلد الذات في الإعلام،
نحن لا نُنكر وجود ممارسات تحتاج إلى مراجعة، مثل اللجوء إلى تعيينات فخرية أو المبالغة في الاستشهادات الذاتية أو النشر في مجلات محدودة الجودة، لكن مواجهة هذه الظواهر لا تكون بالإدانة العشوائية بل عبر إصلاح السياسات، بناء قدرات الباحثين، وتعزيز الحوكمة البحثية المؤسسية، النزاهة لا تتحقق بالخوف من المؤشرات، بل بالإرادة والتمكين والتشريعات العادلة، وما نحتاجه هو خطاب قيادي يوازن بين النقد الذاتي المسؤول والدفاع عن سمعة وطنية ما زالت تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في الساحة الأكاديمية العالمية.
إن الجامعات الأردنية رفعت عدد منشوراتها العلمية المصنفة في Q1 وQ2، لا تستحق أن يُطلق عليها حكم عام بأنها غير نزيهة، بل تستحق دعمًا سياسيًا وتشريعيًا يضمن استدامة مسيرتها وتحفيزها على مزيد من الجودة، لا خطابًا يزرع الشك، التصنيف لا يصنعه مؤشر مشبوه أو منصة غير أكاديمية، بل تصنعه ثقة الباحث، وجودة العمل، وعدالة التقييم.

أخبار متعلقة