وفي سياق حديثه عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وضخ دماء جديدة، قال عباس في كلمته: "قررنا استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك. وحرصا منا على وحدة حركة فتح، قررنا إصدار عفوٍ عامٍ عن جميع المفصولين من الحركة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك".
كان هذا الإعلان مفاجئا لأغلبية أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح، بمن في ذلك الرجلين الثاني والثالث في الحركة؛ نائب الحركة محمود العالول، وأمين سرها جبريل الرجوب. كما تفاجأت به كل الأوساط السياسية والحزبية باستثناء عدد قليل من المسؤولين الذين رافقوا الرئيس في القمة العربية الطارئة.
كانت التوقعات ببدء إنفاذ هذه القرارات فور عودة الرئيس إلى رام الله، لكنّ شيئا من هذا القبيل لم يحصل، وبحسب مصادر عليمة، فإن مستشاري أبو مازن أشاروا إليه بأن تعديل النظام الداخلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يتم استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة يتطلب عقد جلسة لمجلسها المركزي الذي يعد بمثابة برلمان منظمة التحرير الفلسطينية، وتصويت أعضائه بأغلبية الثلثين لصالح القرار، وهو أمر غير مضمون. فضلا عن أن عقد الجلسة بحد ذاته يحتاج إلى عدة أسابيع من التحضير نظرا لإقامة عدد أعضاء المجلس المركزي في الخارج.
وتضيف المصادر، بأن الرئيس أبو مازن قرر إيفاد عدد من مقربيه من بينهم عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، ورئيس المجلس الوطني روحي فتوح إلى القاهرة، لإطلاع كبار مسؤولي جهاز المخابرات العامة، على التكييف القانوني لاستحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحاجة ذلك لبضعة أسابيع من التحضيرات.
ويُتوقع دعوة المجلس المركزي لمنظمة التحرير للانعقاد في النصف الثاني من شهر نيسان المقبل، لكن مخرجاته ليست مضمونة لجهة التصويت لصالح قرار استحداث المنصب، نظرا لوجود انقسامات داخل حركة فتح صاحبة الأغلبية في المجلس المركزي على هكذا قرار، وعدم تحمس فصائل المنظمة له، والقناعة الواسعة على أنه يأتي استجابة لضغوط خارجية أكثر منه حاجة داخلية، كما أن الرأي العام الفلسطيني مغيب عن كل ما يجري، وهو يرى أن الاستجابة للضغوط الخارجية باستحداث منصب لا حاجة له في النظام السياسي، هو نوع من الوصاية وسيؤدي الى توريث استباقي للحكم في ضوء استحالة اجراء الانتخابات العامة في هذه المرحلة.
بالعودة إلى المفصولين
المفصولون من حركة فتح قسمان: الأول، أولئك الذين صدرت بحقهم قرارات بالفصل من المحكمة الحركية، والثاني: من فصلوا من الحركة دون صدور قرارات من المحكمة الحركية، وأبرز المفصولين عضوا اللجنة المركزية السابقين: محمد دحلان وناصر القدوة.
طالما عبّر من صدرت بحقهم قرارات من المحكمة الحركية عن عدم اعترافهم بهكذا قرارات، وبالتالي يُستبعد قيامهم بتقديم استئنافات إلى المحكمة ليتسنى صدور قرارات تلغي قرارات فصلهم التي لا يعترفون بها أصلا. وبخصوص من لم تصدر قرارات بفصلهم من المحكمة الحركية فمن الممكن -حسب مصادر فتحاوية- التصويت على قرارات إعادتهم في اللجنة المركزية لحركة فتح وهي أعلى إطار قيادي في الحركة.
اللافت أن كلّ المفصولين ما زالوا يلتزمون صمتا مطبقا منذ إعلان الرئيس ابو مازن في القاهرة عن إصدار عفو عام يتيح عودتهم للحركة رغم مرور 10 أيام على انعقاد القمة، وفي الوقت الذي لم تصدر فيه أية قرارات تُمهد لعودة المفصولين، ولم تُدع اللجنة المركزية لحركة فتح للانعقاد لمناقشة الموضوع.
ويمكن تفسير صمت المفصولين في أكثر من اتجاه، لكن لا يمكن استبعاد سيناريو اعتقادهم أن ما حصل مناورة من الرئيس، أمام الضغوط الشديدة التي يتعرض لها، كما أنه من غير المعروف حتى الآن إن كان حديث الرئيس أمام القمة يعني عودة المفصولين إلى مناصبهم السابقة في الحركة أو عودتهم كأعضاء فيها، إذ لا يمكن أن يقبل هؤلاء بأقل من عودتهم إلى مناصبهم، حيث إن حديث أبو مازن في هذا الشأن كان غامضا.
وبخصوص محمد دحلان فقد تم فصله قبل انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح عام 2016، وفي ذلك المؤتمر تم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية الحاليين للحركة في الوقت الذي كان فيه دحلان مفصولا منها، فهل يقبل الآن بالعودة إلى (فتح الرسمية) بصفته كادرا عاديا بعد أن انتخبه المؤتمر السادس للحركة عضوا في اللجنة المركزية؟!.
يضاف إلى ذلك كله، أن عددا من المفصولين من حركة فتح، صدرت بحقهم أحكام غيابية عن القضاء الفلسطيني، وحسب القانون لا يمكن الاستئناف على هذه الأحكام إلا حضوريا من خلال تسليم أنفسهم أولا للقضاء، وبعدئذ يمكن الاستئناف على القرارات الصادر بحقهم، وهو ما يضيف تعقيدا إضافيا على المسألة.
قبل أسبوعين انعقد المجلس الثوري لحركة فتح، وكان من بين جدول أعماله، ملء الشواغر في اللجنة المركزية لحركة فتح بدلا من الأعضاء الذين فارقوا الحياة، والعضو الذي تم فصله (ناصر القدوة). ولا يبدو حتى الآن أن هناك توافقا على الأعضاء الجدد، الأمر الذي يؤكد أن هناك تباينات داخل الحركة وأطرها القيادية تحول دون اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي، وهي خلافات قد تنسحب على آليات عودة المفصولين، ما قد يعطل كلّ شيء.
خلاصة القول
لا يستبعد جمهور المراقبين أن كلّ ما يجري، ما هو إلا استعدادا لخروج عضو اللجنة المركزية مروان البرغوثي من سجون إسرائيل، إذا ما أفضت المفاوضات الجارية حاليا إلى الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أو حتى التوافق على تمديد المرحلة الأولى. يحظى البرغوثي بشعبية جارفة في الشارع الفلسطيني حسب ما أجمعت عليه كل استطلاعات الرأي، وتنظر إليه القواعد الفتحاوية على أنه القيادي القادر على إعادة الروح إلى الحركة. ومن شأن تحرره أن يُغيّر قواعد اللعبة في المشهد السياسي الفلسطيني برمته.
وفي كل الحالات، فإن كلّ ما سبق، يؤكد أن ما تعهد به الرئيس أبو مازن أمام القمة العربية الطارئة، كان غير مخططا له، وصدر استجابة لضغوط لا تحتمل، خصوصا فيما يتعلق باستحداث منصب نائب الرئيس، وعودة المفصولين من حركة فتح، وإن تنفيذ كلا القرارين، ليس بيد الرئيس وحده، انما يحتاج إلى تصويت بأغلبية الثلثين في المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وإلى قرارات من الأطر القيادية في حركة فتح ومحكمتها، بالإضافة إلى قرارات أخرى من القضاء الفلسطيني. قرارات ليست مضمونة، ويحتاج صدورها –في حال كان ذلك ممكنا- إلى وقت طويل ما لم يحصل مفاجآت ليست بالحسبان.