منظمة الصحة العالمية صنفت الأردن كأعلى دولة في العالم من حيث انتشار التدخين، وهي إحصائية تعكس أزمة صحية واجتماعية تتطلب تدخلاً عاجلاً.
إلا أن مراجعته لإحدى عيادات الإقلاع عن التدخين التابعة لوزارة الصحة الأردنية كانت نقطة التحول في حياته.
يقول محمود لـ"الدار": "كنتُ أدخن السجائر الإلكترونية بمعدل 100 ملغ يومياً، أي ما يعادل 8 علب سجائر"، حسب حديثه.
ويتابع: "راجعت العيادة، وتابع حالتي طبيب متخصص وصف لي دواءً على شكل حبوب، وبعد أسبوع واحد فقط بدأت بتقليل الكمية تدريجياً إلى أن أمضيت يوماً كاملاً دون تدخين لأول مرة منذ 21 سنة. لم أكن أصدق أن هذه الحبة السحرية ستكبح رغبتي في النيكوتين تماماً".
قصة محمود ليست فريدة من نوعها. خلال سبعة أشهر، رصد معد التقرير نجاح خمس حالات – من ضمنها حالته – في الإقلاع النهائي عن التدخين.
الأردن... في الصدارة العالمية من حيث نسب التدخين
صنفت منظمة الصحة العالمية الأردن كأعلى دولة في العالم من حيث انتشار التدخين، وهي إحصائية تعكس أزمة صحية واجتماعية تتطلب تدخلاً عاجلاً.
يقول الدكتور محمد عبدالله، المشرف على عيادة الإقلاع عن التدخين في مركز صحي الجبيهة الشامل، إن العلاج يختلف من شخص لآخر حسب العمر، الوزن، والحالة الصحية.
ويضيف: "نقدم العلاج إما عبر الحبوب، أو اللاصقات التي تحتوي على نسب محددة من النيكوتين، أو العلكة، مع تأكيدنا أن الدافع الشخصي هو العامل الأهم في نجاح العلاج".
العلاج مجاني للأردنيين
توفر وزارة الصحة الأردنية هذه العيادات مجاناً في المراكز الصحية الشاملة، حيث يُسجل المراجع اسمه ورقمه الوطني، ويحصل على متابعة أسبوعية تنتهي غالباً بالإقلاع التام.
ويتم صرف الأدوية مجاناً طوال فترة العلاج، وفق خطة يضعها الطبيب المعالج بناءً على استجابة المريض.
ولمن يرغب بالحصول على العلاج من حسابه الشخصي، أظهرت متابعة قام بها معد التقرير أن سعر عبوة الدواء يبلغ 34 ديناراً، ويحتاج المدخن عادة إلى 4 عبوات على الأقل، أي ما يعادل 134 ديناراً.
تجارب فردية... من الإدمان إلى التعافي
التقى معد التقرير خلال سبعة أشهر بعدد من الأشخاص الذين سردوا قصصهم مع الإقلاع.
سامي (72 عاماً) أقلع عن التدخين بعد 53 عاماً من الإدمان باستخدام اللاصقات، قائلاً: "بعد 5 أيام فقط من الاستخدام، توقفت تماماً عن التدخين، ولم أعد إليه منذ 7 أشهر".
وأفاد سامي أن الطبيب صرف له علاجاَ باستخدام اللاصقات التي تحتوي نسبة محددة من النيكوتين؛ وذلك نظرا لحالته الصحية التي لا تسمح له بتلقي الدواء.
فريال (62 عاماً) أدمنت التدخين لـ45 سنة، واستخدمت العلكة لوجود مشاكل في المعدة، وأضافت: "زاد وزني بسبب الأكل للتعويض عن التدخين، فنصحني الطبيب بالمشي".
معد التقرير (25 عاماً) توقف عن التدخين بعد 6 سنوات من الإدمان باستخدام الحبوب، قائلاً إنه تناول 4 عبوات واستمر على العلاج شهراً وشعَر بتغير جذري في رغبته بالتدخين.
وأقلع معد التقرير عن التدخين لأول مرة بعد تلقيه الدواء لمدة أسبوع، ومن ثم استمر في تناول الدواء لمدة شهر ونيّف بمعدل 4 علب دواء.
مراحل العلاج... تدريجية وتحت إشراف طبي
يشرح الدكتور عبدالله أن الجسم يبدأ بطلب النيكوتين بعد نحو ساعتين من تلقيه، والدواء يعمل على منع الدماغ من طلبه. أما اللاصقات والعلكة، فتوفر نسباً تدريجية من النيكوتين يتم تقليلها بمرور الوقت حتى الإقلاع التام.
ويضيف أن خطة العلاج تبدأ عادة بـ:
* الأيام الثلاثة الأولى: نصف حبة بعد الإفطار.
* اليوم 4-6: نصف حبة صباحاً ونصف مساءً.
* بداية من اليوم 7: حبة صباحاً وأخرى مساءً.
ويواكب تقليل عدد السجائر تدريجياً حتى يصل الشخص إلى الامتناع التام في اليوم الخامس.
وتكون على النحو التالي:
اليوم الأول: علبة سجائر واحدة (20 سيجارة).
اليوم الثاني: معدل 15 سيجارة.
اليوم الثالث: نصف علبة سجائر (10 سجائر).
اليوم الرابع: معدل 5 سجائر.
اليوم الخامس: إقلاع عن التدخين بشكل كامل.
ويُشرف الأطباء على المراحل العلاجية على مدى شهرين، وتتفاوت المراجعات بين أسبوع وأربعة أسابيع.
نسبة إقلاع مرتفعة
رغم أن الأردن يسجل أعلى نسب التدخين عالمياً، يؤكد الدكتور عبدالله أن نسب الإقلاع المرتفعة جعلت الإقبال على العيادات في ازدياد، حيث يتحدث عن أن أكثر من 80% من مراجعي عيادة الجبيهة أقلعوا نهائياً عن التدخين.
ويقول: "النجاح الجماعي شجع الآخرين على خوض التجربة... البعض عاد لاحقاً ليشكرنا بعد أن غير العلاج حياته تماماً".
إحصاءات مقلقة عن التدخين في الأردن
تشير البيانات إلى أن 8 من كل 10 رجال أردنيين يدخنون أو يستخدمون منتجات النيكوتين بانتظام، وتصل نسبة تدخين النساء البالغات إلى 17%.
كما تنتشر الشيشة بنسبة 15.2% بين المدخنين.
وتُعد الفئة العمرية بين 35-44 سنة للذكور و45-54 سنة للإناث الأكثر تدخيناً، وفقاً لدراسة لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
9 آلاف وفاة سنوية... وتكلفة تفوق الطعام
يسجل الأردن سنوياً نحو 9 آلاف حالة وفاة بسبب التدخين، أي أن شخصاً من كل 5 يموت نتيجة مضاعفات ناتجة عنه. وتعد أمراض القلب والرئة والسرطانات من أبرز الأسباب.
وتشير دراسات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية إلى أن الأسرة الأردنية تنفق على التدخين أكثر مما تنفق على الغذاء، حيث يبلغ إنفاق الفرد على التدخين أكثر من 150 دولاراً شهرياً، مقارنة بـ36 دولاراً على الفواكه، و70 دولاراً على اللحوم.
مفارقة اقتصادية: عائد ضخم للدولة من التبغ
ورغم تصنيف الأردن كأعلى دولة تدخيناً، تشير تقارير رسمية إلى أن الحكومة حصلت أكثر من مليار دولار كضريبة مبيعات على السجائر عام 2021، حيث تمثل هذه العوائد ما يقارب 80% من سعر علبة السجائر.
ويعمل في هذا القطاع 8 شركات، منها شركتان محليتان، توظف مجتمعة نحو 2000 عامل.
توصيات الأطباء: التوعية ثم التوعية
يحذر الأطباء من تفشي التدخين في صفوف الأطفال والمراهقين، مطالبين بتكثيف حملات التوعية في المدارس والجامعات وفرض رقابة صارمة على التدخين في الأماكن العامة.
ويؤكدون أن الحل يبدأ من الأسرة والبيئة التعليمية، وبالاستمرار في توفير العلاج المجاني وتشجيع المواطنين على الإقلاع، يمكن الحد تدريجياً من هذه الآفة التي تهدد الصحة العامة والاقتصاد الوطني في آن واحد.