وأفادت منظمة بتسيلم في تقرير رئيسي صدر الاثنين أنها توصلت إلى هذا "الاستنتاج القاطع" بعد "فحص سياسة إسرائيل في قطاع غزة ونتائجها المروعة، إلى جانب تصريحات كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين حول أهداف الهجوم".
وأعلنت منظمة إسرائيلية أخرى، وهي منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، انضمامها إلى بتسيلم في وصف أفعال إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية. ونشرت تحليلاً قانونيًا وطبيًا منفصلاً يوثق ما أسمته "إبادة متعمدة ومنهجية للنظام الصحي في غزة".
ونفى المتحدث باسم حكومة الاحتلال، ديفيد منسر، صحة التقرير. وقال للصحفيين: "لدينا حرية التعبير في هذا البلد، لكننا نرفض بشدة هذا الادعاء"، مضيفاً أن إسرائيل سمحت بدخول المساعدات إلى غزة.
ورفضت وزارة خارجية الاحتلال التقرير، واصفةً إياه بأنه "ذو دوافع سياسية"، ورفضت الاتهامات ووصفتها بأنها "فاضحة" و"لا أساس لها". وأكدت أن إسرائيل تستهدف حماس فقط، وليس المدنيين، وتتخذ "إجراءات مكثفة" لتجنب إيذاء المدنيين أثناء تقديم المساعدات.
لطالما جادلت إسرائيل بأنها تتصرف وفقًا للقانون الدولي، وأن حربها في غزة، عقب هجمات حماس القاتلة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي حرب دفاع عن النفس.
وعندما اتهمت جماعات أخرى غير إسرائيلية، إسرائيل في وقت سابق بارتكاب إبادة جماعية أو أعمال إبادة جماعية، ردت حكومة الاحتلال بغضب، رافضةً بشدة هذه التصريحات، وكثيرًا ما ردّت بادعاءات بأن الاتهامات مبنية على معاداة السامية.
وقالت منظمة بتسيلم، في تقريرها المُكون من 79 صفحة، إن الواقع على الأرض في غزة "لا يمكن تبريره أو تفسيره على أنه محاولة لتفكيك نظام حماس أو قدراته العسكرية".
وأعلنت المديرة التنفيذية لمنظمة بتسيلم، يولي نوفاك، عن نتائج التقرير، قائلةً: "لا شيء يُهيئكم لإدراك أنكم جزء من مجتمع يرتكب إبادة جماعية. هذه لحظة مؤلمة للغاية بالنسبة لنا. لكن كإسرائيليين وفلسطينيين نعيش هنا ونشهد الواقع كل يوم، من واجبنا أن نقول الحقيقة بأكبر قدر ممكن من الوضوح: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين". وأضافت: "إبادتنا الجماعية لها سياقها".
وأشارت المنظمة إلى أن هجوم إسرائيل على غزة يشمل القتل الجماعي - سواءً بالهجمات المباشرة أو من خلال خلق ظروف معيشية كارثية - وتدميرًا واسع النطاق للبنية التحتية، وهدمًا للنسيج الاجتماعي، واعتقالات جماعية وإساءة معاملة المعتقلين، وتهجيرًا قسريًا جماعيًا، بما في ذلك محاولات التطهير العرقي.
وأضافت أن تصريحات كبار صناع القرار الإسرائيليين "عبّرت عن نية الإبادة الجماعية طوال" الصراع.
وأفادت بتسيلم أن التقرير استند إلى بيانات جُمعت على مدى العشرين شهرًا الماضية، بما في ذلك معلومات عن "آلاف الحالات" التي يُزعم أن القوات الإسرائيلية ارتكبتها ضد فلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والأراضي الإسرائيلية.
وأضافت المنظمة أنها استخدمت معلوماتها الخاصة، بالإضافة إلى بيانات خارجية جمعتها منظمات خضعت لتدقيق دقيق.
وأضافت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل أن الأدلة التي جمعتها تشير إلى "تفكيك متعمد ومنهجي للنظام الصحي في قطاع غزة، ولأنظمة حيوية أخرى لبقاء السكان".
وقالت المنظمة في بيان لها: "لا يتعلق الأمر بأضرار جانبية ناجمة عن الحرب، بل بسياسة متعمدة تهدف إلى إلحاق الضرر بالسكان الفلسطينيين كمجموعة".
لكن بينما تُحمّل منظمة بتسيلم الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الوضع في غزة، فإنها اتهمت المجتمع الدولي أيضًا بالسماح بارتكاب إبادة جماعية.
وجاء في بيان المنظمة: "لم يكتفِ العديد من قادة الدول، وخاصةً في أوروبا والولايات المتحدة، بالامتناع عن اتخاذ إجراءات فعّالة لوقف الإبادة الجماعية، بل مكّنوا من حدوثها - من خلال تصريحات تؤكد "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" أو دعمها النشط، بما في ذلك شحن الأسلحة والذخيرة - والذي استمر حتى بعد أن قضت محكمة العدل الدولية بوجود "خطر معقول بأن ترقى أفعال إسرائيل إلى مستوى أعمال إبادة جماعية".
وأضافت المنظمة أن الشعور بالخوف والغضب والرغبة في الانتقام الذي شعر به العديد من الإسرائيليين بعد هجمات 7 أكتوبر الإرهابية شكّل "أرضية خصبة للتحريض ضد الفلسطينيين عمومًا، وسكان غزة خصوصًا".
ويأتي تقرير بتسيلم في ظل تصاعد الضغوط على إسرائيل بسبب الوضع الكارثي في غزة. وقد أثارت صور الأطفال الذين يموتون بسبب سوء التغذية الحاد غضبًا عالميًا، حيث وصفت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي الأزمة بأنها "من صنع الإنسان وكان من الممكن تجنبها".
في الوقت نفسه، تتعرض حكومة نتنياهو لضغوط داخلية من جميع الأطراف، مع تزايد قوة ووتيرة الاحتجاجات المطالبة بإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتهديد أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه بانهيار الحكومة إذا أنهى الصراع.
ونشر رؤساء خمس من أبرز الجامعات الإسرائيلية رسالة مفتوحة إلى نتنياهو، أعربوا فيها عن قلقهم إزاء الأزمة في غزة.
وقال قادة الجامعات: "إلى جانب شريحة متنامية من الجمهور الإسرائيلي، نتابع بصدمة المشاهد المروعة التي تظهر يوميًا من غزة، حيث لا يزال الجوع والمرض يحصدان أرواح الأكثر ضعفًا". وأضافوا أنهم "مصدومون" من تصريحات بعض السياسيين الذين "يدعون إلى التدمير المتعمد لغزة والتهجير القسري لسكانها المدنيين".
في حين أن منظمة بتسيلم هي أول منظمة إسرائيلية تتهم الحكومة بارتكاب إبادة جماعية، فقد توصل عدد من المجموعات والمنظمات والحكومات الدولية إلى استنتاجات مماثلة أو مشابهة في الماضي.