رفع معدل القبول في تخصص الذكاء الاصطناعي: قرار يسبق الواقع ويغفل العدالة التعليمية

أ.د. تركي الفواز
أ.د. تركي الفواز
الدار -  أثار قرار مجلس التعليم العالي برفع معدل القبول في تخصص تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي إلى 75% تساؤلات مشروعة في الأوساط التربوية والأكاديمية،هذا القرار  الذي يبدو ظاهريًا محاولة لتحسين جودة الملتحقين بهذا التخصص الحيوي يفتقر إلى التوقيت السليم، ويغفل الفروقات البنيوية بين المسارات التعليمية في المرحلة الثانوية، ويطرح إشكالات جوهرية في مبادئ العدالة والإنصاف التربوي.
لا تزال آلية تشكيل مجلس التعليم العالي وطريقة اتخاذ قراراته غير مفهومة بوضوح للمهتمين بالشأن التربوي، وهذا الغموض في آليات صنع السياسات، خاصة تلك المتعلقة بمستقبل الطلبة وتخصصات العصر، يُضعف ثقة المجتمع الأكاديمي .
القرار جاء في توقيت غير مدروس، إذ يتزامن مع تطبيق نظام المسارات التعليمية الجديد في الثانوية العامة، وهو نظام لم تظهر مخرجاته بعد، حيث لن تتخرج أول دفعة منه قبل العام الدراسي 2027/2028، فكيف يمكن اتخاذ قرار مصيري، يقيّد دخول تخصص حيوي، دون انتظار مخرجات النظام الجديد وتقييمه بشكل علمي وموضوعي؟ هذا الاستباق في صناعة القرار يعكس تخطيطًا تعليميًا معزولًا عن الواقع ومتغيراته.
المثير للقلق أكثر أن القرار لا يميز بين طلبة المسار الأكاديمي وطلبة مسار تكنولوجيا المعلومات (البيتك)، بينما يدرس طلاب المسار الأكاديمي المواد بأسلوب نظري تقليدي، يتلقى طلبة البيتك نفس المفاهيم بأسلوب تطبيقي عملي يهدف لتجهيزهم لمهن تكنولوجية مباشرة، توحيد شرط القبول بين المسارين، رغم هذا التباين في التكوين والأهداف، يُعد تجاوزًا لمبدأ العدالة التعليمية، الذي يفترض أن يعكس الفروقات المنهجية والتعليمية بين البرامج التعليمية، من حق المجتمع أن يسأل: هل استند القرار إلى دراسة علمية دقيقة؟ هل تم تحليل بيانات سوق العمل، أو تقييم أداء خريجي التخصص، أو دراسة الطاقة الاستيعابية للجامعات؟ أم أن القرار جاء كاستجابة إدارية آنية دون مرجعية معرفية واضحة؟ في غياب الإفصاح عن هذه المعطيات، يبدو القرار ارتجاليًا، لا يعكس رؤية استراتيجية شاملة، بل يضيف مزيدًا من الغموض على مستقبل التعليم التكنولوجي في الأردن.
رفع المعدل بهذه الصورة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، منها عزوف الطلبة عن دخول تخصصات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، في وقت تُجمع فيه السياسات الوطنية والدولية على أن المستقبل المهني والاقتصادي يعتمد على تطوير هذه القطاعات، من المفارقة أن ترفع الدولة شعارات التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي، ثم تتخذ قرارات قد تقلل من فرص تأهيل الكوادر القادرة على المساهمة فيه، القرار كما طُرح  يحتاج إلى مراجعة جادة تأخذ بعين الاعتبار: الفروقات بين المسارات التعليمية الجديدة، وتوقيت التطبيق، ودراسات سوق العمل،ووضمان العدالة التربوية، إن بناء منظومة تعليمية مرنة وعادلة لا يكون بالقرارات الفوقية، بل بالشراكة مع الخبراء، وبتحليل المعطيات، واحترام طبيعة التغيرات التعليمية ، إن كانت النية تحسين جودة التعليم، فلا بد من أن تُبنى القرارات على منطق علمي، وليس على فرضيات غير مختبرة.

أخبار متعلقة