هذه ليست مجرد مشاركة عبر “منصات التواصل الاجتماعي “، بل شهادة حية على أن الألم الفلسطيني بات يقتحم القصور، ويهزّ عروش الصمت. حين تتكلم الملكة، فإنها لا تنقل خبرًا، بل تحوّل المعاناة إلى ضمير حي، وتُحمّل العالم مسؤولية التقصير، وتدقّ ناقوس الخطر: إلى متى نبقى أسرى الكلمات، في وقتٍ يحتاج فيه أطفال غزة إلى خبز، لا عبارات؟
ووسط هذا المشهد القاتم، يبرز الأردن بقيادته الهاشمية كمنارة للإنسانية، وشعلة أمل تتقد في ظلام غزة. مبادرة “الممر الطبي” التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، ليست مجرد خطوة علاجية، بل تجسيد حيّ لقيم الرحمة والتكافل. وفي دفعتها السابعة الأكبر حتى الآن استقبلت المملكة عشرات الأطفال الغزيين، ممن أنهكتهم الحرب، وأضناهم المرض، ليجدوا في حضن الأردن رعايةً تسترد لهم شيئًا من الحياة.
أمير، الذي فقد يده وقدمه ووالده، وضحى التي تنتظر زراعة قرنية، وعلاء الذي ينتظر زراعة نخاع، لم يكونوا مجرد أسماء على قائمة المرضى، بل قصص أمل كتبتها المملكة على جبين هذا الزمن الجريح. من خلال جسر الملك الحسين، تحوّلت عملية الإجلاء إلى ملحمة إنسانية تُثبت أن في زمن الخذلان، لا تزال هناك دول تفتح صدورها للمنكوبين، وتستجيب لصوت الإنسانية.
عند وصولهم أرض الأردن، لم تكن وجوه الأطفال وأهاليهم تحتاج إلى ترجمة. كانت الدموع أبلغ من كل خطاب، وكانت نظرات الامتنان تروي قصة شعبٍ لم يعتد أن يمدّ يده، لكنه اليوم يُقابل بالعطاء والكرامة. وصف أهل غزة ما يقدمه الأردن بـ”الحياة المختلفة” و”الكرم الذي لا يُنسى”. وبينما اختارت دول عظمى الانسحاب من المشهد الإنساني، كانت المملكة تبني جسور العون، وتُعيد تعريف التضامن على أرض الواقع.
وفي وقتٍ بات الخبز رفاهية، نفذت الحملة الأردنية، بالشراكة مع الهيئة الخيرية الهاشمية، مبادرة توزيع الخبز الطازج في منطقة المواصي بخان يونس. هي مجرد أرغفة بسيطة، لكن وقعها كان أثقل من كل المؤتمرات والبيانات. حين يشارك الأردن يوميات الناس الجائعة، يثبت أن التضامن لا يكون بالشعارات، بل بالفعل الميداني، رغم التحديات ونيران الحصار.
ودبلوماسيًا، لم يتردد الأردن يومًا في التصدي للانتهاكات الصهيونية. وفي اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، جدّد السفير أمجد العضايلة رفض المملكة لأي محاولات لفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الإبراهيمي أو الأراضي المحتلة. وأشار بوضوح إلى أن سياسات التجويع والإبادة حوّلت غزة إلى كارثة إنسانية مكتملة الأركان، منبّهًا إلى أن هذا الصمت هو شراكة ضمنية في الجريمة.
رئيس الوزراء جعفر حسان، من محافظة جرش، جدّد موقف الحكومة: “تثبيت الفلسطينيين على أرضهم أولوية لا تحتمل التأجيل”. الرسالة كانت واضحة: لا مساومة على العدالة، ولا تراجع عن دعم غزة في كل المحافل والميدان. الجهود متواصلة، من الطب إلى الغذاء، ومن الإجلاء إلى الإعمار، في وقت تتراخى فيه إرادة العالم.
ما تفعله المملكة الأردنية ليس مجرد دور سياسي أو إنساني، بل هو تجسيد لمعنى الدولة التي تُنصت لألم الشعوب. فبين قائد يحمل الهم الفلسطيني على كتفيه، وملكة تعري الصمت الدولي بنبض أمومي، يصبح الأردن وطنًا يفيض بالمواقف النبيلة. في غزة أطفال يموتون جوعًا، والعالم مشغولٌ بعدّ الكلمات. وحده الأردن يفهم أن لا شيء يعادل وجبة في يد طفل جائع، أو حبة دواء في جسد نحيل.
وفي زمن تتساوى فيه الضحايا أمام عدسات الكاميرات، وتُختصر المجازر في بيانات مقتضبة، يعلو صوت الأردن ليقول: الإنسانية لا تموت… ما دام هناك من يؤمن أن الكرامة حق، والرحمة واجب، وأن الكلمات، مهما بلغت بلاغتها، لا تُشبع أطفال غزة.
واخيرا أقولها بملئ الفم وبكافة اللغات
"إن للحق هيبة ولصاحب الحق هيبة يخافها الكذاب ومداعي الباطل"