ماذا حل بفوازير رمضان القديمة؟

فانوس رمضان
فانوس رمضان

الدار - نيفين حداد

  لطالما كانت فوازير رمضان من التقاليد الشعبية التي ينتظرها الجميع في العالم العربي، حيث ظلت لأكثر من نصف قرن جزءًا لا يتجزأ من طقوس الشهر الكريم، قبل أن تبدأ في التلاشي والاختفاء من الساحة الفنية والتلفزيونية.

وكانت هذه الفوازير عبارة عن مسابقات أو ألغاز ترفيهية تُقدم بشكل فكاهي أو غنائي، غالبًا ما قدمتها شخصيات كوميدية أو فنانين مشهورين، لتصبح علامة فارقة في تاريخ الفن الرمضاني.  
بداية الفوازير 
بدأت قصة فوازير رمضان في عام 1955، عندما قدمت المذيعة المصرية آمال فهمي فكرة جديدة ضمن برنامجها الإذاعي خلال رمضان، و كانت الفكرة تعتمد على استضافة أحد نجوم الفن دون ذكر اسمه، وقراءة بعض السطور على الهواء، ثم إقامة مسابقة للمستمعين للتعرف على صاحب الصوت، و من أبرز اللحظات التي لا تنسى، استضافة المطربة أم كلثوم التي قرأت صفحة من كتاب "الأيام" لطه حسين، وفاجأ عدم تعرف المستمعين على صوتها الشهير، هذه الفقرة حققت نجاحًا كبيرًا، مما دفع مسؤولي الإذاعة المصرية إلى تطويرها، حيث استعانوا بكتاب وشعراء مرموقين مثل بيرم التونسي وصلاح جاهين ومفيد فوزي لكتابة فوازير أكثر إبداعًا، ومع انتشارها وقبولها لدى الجمهور، انتقلت الفوازير من الإذاعة إلى التلفزيون في عام 1967، عندما قرر المخرج أحمد سالم تصويرها وعرضها على شاشة التلفزيون المصري، مستعينًا بفرقة "ثلاثي أضواء المسرح" المكونة من سمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم، لتحقق نجاحًا كبيرًا وتنال إعجاب المشاهدين.  
و شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات "العصر الذهبي" للفوازير، تطوراً كبيراًعلى يد المخرج فهمي عبدالحميد، الذي قدم الفنانة نيللي في سلسلة من الاستعراضات الغنائية المصحوبة بأسئلة بسيطة يجيب عليها الجمهور، ومنها فوازير "عروستي" و فوازير "الخاطبة" ، واستمرت نيللي في تقديم الفوازير حتى عام 1981، ليتنافس معها الفنان سمير غانم عبر شخصية "فطوطة" (1982-1983) ، والتي اعتمدت على الكوميديا محققة نجاحًا لافتًا وأصبحت علامة فنية بارزة .  
كما برعت الفنانة شريهان في تقديم الفوازير، ومنها فوازير ألف ليلة وليلة (1985-1989) و فوازير حول العالم (1987) و فوازير حاجات ومحتاجات (1993)، كذلك قدم الفنان الراحل فؤاد المهندس فوازير شهيرة تحت عنوان "عمو فؤاد"، ليصبح اسمًا لامعًا في هذا المجال، إضافة لغيرهم من الفنانيين كيحيى الفخراني و صابرين.  
وبحسب صحيفة الهيئة الوطنية للإعلام بمصر، في مقابلة مع شويكار خليفة، وهي رائدة الرسوم المتحركة والمخرجة التي عملت ضمن فريق فهمي عبدالحميد، والتي كشفت عن الصعوبات التي واجهتهم أثناء إنتاج الفوازير، مبينة قلة الإمكانيات التقنية المحدودة، حيث كانوا يصورون الكارتون باستخدام كاميرا صغيرة، وأحيانًا كان الفيلم يحترق في المعمل، مما كان يستدعي إعادة العمل من البداية.  
وأضافت خليفة أن الفريق كان يعمل بحماس شديد، لدرجة أنهم كانوا يبقون لساعات طويلة في العمل، ويجمعون 25 قرشًا للإفطار في رمضان، ويطلبون من أحد الزملاء طهي الطعام، كما أوضحت أن العمل كان يتم بدقة، حيث كانوا يرسمون كل حركة للشخصيات الكارتونية، ثم يقومون بتحبيرها وتلوينها وإضافة الخلفيات. 
مع مرور الوقت، بدأت فوازير رمضان تفقد بريقها تدريجيًا فبعد أن كانت حدثًا ترفيهيًا ينتظره الجمهور كل عام، تراجعت شعبيتها بسبب عدة عوامل، منها:  
1 تغير أذواق الجمهور: مع تطور وسائل الإعلام وانتشار القنوات الفضائية والإنترنت، أصبح الجمهور يبحث عن أشكال جديدة من الترفيه أكثر تنوعًا وجاذبية. 
2 ارتفاع تكاليف الإنتاج: كانت الفوازير تعتمد على إنتاجات ضخمة وفنانيين كبار، مما جعل تكلفتها مرتفعة، خاصة مع تراجع الإعلانات والدعم المالي.  
3 ظهور برامج جديدة: برامج المسابقات والواقع شو (Reality Shows) والمسلسلات الرمضانية حلت محل الفوازير، حيث أصبحت أكثر جذبًا للجمهور.  
4 قلة الإبداع: مع مرور الوقت، أصبحت الفكرة متكررة ولم تعد تجذب الجمهور كما في السابق.  
5 تغير طبيعة الإعلام: مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب، أصبح الجمهور يبحث عن محتوى سريع ومتنوع، مما قلل من أهمية البرامج التقليدية مثل الفوازير.  
وبالرغم من اختفاء الفوازير بشكل كبير، إلا أن هناك محاولات متفرقة لإحيائها، ففي السنوات الأخيرة، قدمت الفنانة اللبنانية ميريام فارس موسمًا من فوازير رمضان 2010، إلا أن المحاولة لم تتكلل بالنجاح ، لتعود الفوازير مرة أخرى إلى الظل.  
على الرغم من تراجعها، تظل فوازير رمضان بذكرياتها ومشاهدها التي لاتنسى ، تذكرنا بزمن كان الفن فيه بسيطًا وممتعًا، يجمع العائلة حول الشاشة الصغيرة في ليالي رمضان.

أخبار متعلقة