منذ بدء التصعيد قبل نحو عامين، حذر مراقبون من إمكانية انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة ذات انعكاسات مباشرة على الأردن.
في هذا السياق، تبرز تساؤلات ملحّة حول مدى جهوزية الأردن للتعامل مع هذه السيناريوهات، وكيف تتهيأ الدولة لمواجهة تداعيات محتملة قد تمتد آثارها إلى الداخل الأردني.
إعلان حالة الحرب.. ما دلالاته في السياق الأردني؟
يوضح الخبير الاستراتيجي في إدارة الأزمات، إبراهيم العبادي، أن إعلان الحرب – كما ورد في التصريحات الرسمية الأردنية رداً على أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية أو غزة – لا يعني بالضرورة التوجه نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع "تل أبيب".
بل يتضمن في مراحله الأولى مجموعة من الإجراءات السيادية والسياسية، من أبرزها:
-وقف العمل بجميع الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الثنائية.
-تجميد أو إنهاء التعاون في مختلف المجالات بين الطرفين.
-إغلاق الحدود والمجال الجوي الأردني في وجه الاحتلال.
وبحسب تصريحات سابقة للعبادي، فإن اتخاذ قرار كهذا يعيد العلاقات بين الطرفين إلى ما كانت عليه قبل توقيع معاهدة 1994، والتي أنهت رسمياً حالة الحرب التي كانت قائمة منذ عقود.
ورغم أن آخر مواجهة عسكرية فعلية جمعت الطرفين تعود إلى حرب عام 1973 في الأراضي السورية، فإن حالة الحرب قد تعود دون أن تتجسد فعلياً بصدامات مسلحة.
ويشير إلى أن هناك دولاً في حالة حرب رسمية لكنها لا تشهد مواجهات عسكرية، ما يعني أن "حالة الحرب" مصطلح قانوني وسياسي أكثر منه ميداني في مراحله الأولى.
الملاجئ واستعدادات الأردن لحالات الطوارئ
ضمن إطار التحضير المسبق لمواجهة الأزمات والكوارث، تبرز أهمية الملاجئ كعنصر حيوي في البنية التحتية لأي دولة.
وأكد مصدر أمني مسؤول أن الأردن يمتلك بنية تحتية متقدمة وخططا استراتيجية معدّة سلفاً للتعامل مع مختلف التحديات المحتملة، رغم الامتناع عن الكشف عن تفاصيل موسعة نظراً لطبيعة هذه الخطط.
ويشدد الخبير الاستراتيجي في إدارة الأزمات، إبراهيم العبادي، على أن الدولة لا تُفصح عن جاهزيتها أو تكشف عن خططها الدفاعية إلا عند الضرورة، التزاماً بسرية الإجراءات.
ومع ذلك، يؤكد أن الأردن يمتلك ملاجئ محصنة لإيواء المدنيين في حال نشوب مواجهة عسكرية، لكنها مغلقة حالياً نظراً لعدم وجود حالة حرب فعلية.
ويضيف العبادي أن هذه الملاجئ موزعة في المدن الرئيسة والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، كما توجد أيضاً في مواقع حساسة، من بينها مستشفيات ومنشآت استراتيجية.
كما أشار إلى وجود ملاجئ معدّة لمواجهة الأسلحة البيولوجية، فضلاً عن أن بعض المدارس والجامعات مُصنفة مسبقاً كمراكز إيواء يمكن تفعيلها عند الحاجة.
ويُعرّف الملجأ بأنه مكان محصّن يُستخدم لحماية المدنيين والعسكريين من الغارات الجوية أو الهجمات الكيماوية والقصف المدفعي. وقد لعبت الملاجئ أدواراً حيوية في الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك خلال الحرب الباردة، إذ استُخدمت كمراكز قيادة ومستودعات للأسلحة ومرافق تخزين.
عشرات المستشفيات وآلاف المدارس ضمن خطة الاستجابة الوطنية للأزمات
لم تغفل الجهات المختصة في الأردن إعداد خطة شاملة للتعامل مع الطوارئ، إذ اعتمدت الدولة استراتيجية متكاملة ترتكز على الاستجابة السريعة في حالات الأزمات، لاسيما الصحية منها، بالتعاون بين مختلف المؤسسات ذات العلاقة.
وتقوم هذه الاستراتيجية على تأمين مخزون احتياطي استراتيجي من الأدوية والمستلزمات الطبية، تشمل الأمصال والمطاعيم، فلاتر غسيل الكلى، المحاليل الوريدية، الغازات الطبية، معدات المختبرات، أدوات التخدير، ومستحضرات عيادات الأسنان.
وتشير معلومات موثوقة إلى أن المستشفيات الأردنية تتمتع بقدرة عالية على التعامل مع الطوارئ، حيث توفر مخزونًا من الأدوية واللوازم الطبية يكفي لستة أشهر على الأقل، وفي بعض الحالات يمتد حتى عشرة أشهر، مما يعزز من صمود القطاع الصحي في وجه الكوارث.
وبحسب أرقام رسمية، شهد القطاع الصحي تطوراً لافتاً، إذ بلغ عدد المستشفيات في الأردن أكثر من 126 مستشفى حكومياً وخاصاً، فيما وصل عدد الأسرة إلى حوالي 16 ألفاً، وفق ما أكده مدير إدارة الأزمات في وزارة الصحة، الدكتور إبراهيم لبيب.
وتضم المملكة أكثر من 695 مركزاً صحياً تابعاً لوزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية، إضافة إلى أكثر من 80 مركزاً تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وجهات خيرية.
أما قطاع التعليم، فهو يمتلك بدوره بنية قابلة للتفعيل عند الطوارئ، إذ توجد في الأردن 4060 مدرسة حكومية، إلى جانب 3093 مدرسة خاصة، و169 مدرسة تابعة للأونروا، فضلاً عن 48 مدرسة تابعة للثقافة العسكرية، ليصل مجموع المؤسسات التعليمية إلى 7315 مدرسة، وفق دائرة الإحصاءات العامة.
ويخصص العديد منها كمراكز إيواء خلال الكوارث الكبرى
مخزون غذائي استراتيجي يعزز صمود الأردن في الأزمات
أحرز الأردن تقدماً ملحوظاً في مؤشرات الأمن الغذائي، إذ ارتقى إلى المرتبة 47 عالميًا في عام 2022، بعدما كان يحتل المرتبة 62 في عام 2020، وفق ما أعلنه وزير الزراعة الأسبق خالد الحنيفات، مستندًا إلى تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
ويُعد تأمين مخزون وافر من القمح والمواد الغذائية الأساسية أحد أبرز أولويات الدولة، إذ تسعى باستمرار لامتلاك احتياطي يكفي لعدة أشهر، بما يضمن استقرار سلة الغذاء الوطنية خلال الأزمات.
وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الصناعة والتجارة، ينال البرماوي، قد أكد في تصريحات سابقة أن المخزون الاستراتيجي من القمح يغطي حاجة الأردن لنحو 10 أشهر، مشيرًا إلى تنوع مصادر الاستيراد، أبرزها رومانيا، مع سهولة وصول الشحنات عبر الموانئ البحرية.
وأوضح أن المواد التموينية متوفرة بكثرة، سواء من الإنتاج المحلي أو الواردات، دون عوائق تُذكر في سلسلة التوريد.
وفي السياق ذاته، يرى الخبير الاستراتيجي إبراهيم العبادي أن الحد الأدنى للمخزون الغذائي في الأردن، حتى في أسوأ الظروف، لا يقل عن 3 أشهر، ويصل بالنسبة للقمح إلى ما لا يقل عن 6 أشهر.
وتلي ذلك سلعٌ أساسية أخرى يحتفظ بها وفق أولويات الأمن الغذائي.
أما الخبير في شؤون الأمن الغذائي، عمران الخصاونة، فيؤكد أن الأردن يتمتع بمستوى جيد جداً من الأمن الغذائي، لكنه يُحذر من نسب الهدر المرتفعة، مشيراً إلى أن تقارير أممية تشير إلى أن أكثر من ثلث الطعام الذي يستهلكه الأردنيون ينتهي مهدورًا.
ويُعرّف الأمن الغذائي – كما ورد في قمة الغذاء العالمية عام 1996 – بأنه:
"الوضع الذي يتمكن فيه جميع الناس، في كل الأوقات، من الحصول مادياً واقتصادياً على غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ، يلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية."
ويُوضح الخصاونة أن الأمن الغذائي يرتكز على ثلاثة أبعاد أساسية:
* وفرة الغذاء.
* سلامته وجودته.
* القدرة المادية واللوجستية على الوصول إليه بشكل دائم.
ويشير إلى أن الأردن لا يعاني من مشكلات كبيرة في البعدين الأول والثاني، لكن التحديات الحقيقية تكمن في البعد الثالث، وتحديدًا في قدرة شريحة من السكان – في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة – على الحصول على الغذاء بشكل منتظم.
أمن الطاقة.. بين التحدي والتحوّط
رغم اعتماد الأردن بنسبة تزيد على 90% على استيراد احتياجاته من النفط الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي، فإن المملكة اتخذت إجراءات متعددة للتحوّط وضمان أمن التزود بالطاقة، خصوصاً في أوقات الأزمات.
وتكمن أبرز مصادر الطاقة الحالية في الغاز المستورد من شركة "شيفرون" عبر البحر المتوسط، والذي يشكل ما نسبته 95% من حاجة المملكة اليومية، مقابل 5% فقط يتم إنتاجها محلياً من حقل الريشة. ورغم هذا الاعتماد الكبير على الخارج، يرى الخبير في مجال الطاقة والنفط، عامر الشوبكي، أن الأردن تمكن من الوصول إلى مرحلة "أمان التزوّد"، عبر سن تشريعات ألزمت شركات الكهرباء المحلية بامتلاك خزانات وقود كافية لتشغيل محطات التوليد لمدة لا تقل عن 14 يوماً، وهو ما يعد خط الدفاع الأول في حالات الطوارئ، وإن كان غير كافٍ وحده.
كما يتيح استمرار استئجار سفينة الغاز العائمة في خليج العقبة منذ عام 2013 للمملكة إمكانية التحوط عبر استيراد الغاز المسال من خلال الخط العربي الممتد من مصر، ما يعزز مرونة التزود بالطاقة. إلى جانب ذلك، تعتبر محطة العطارات لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي مصدرًا محليًا واعدًا، حيث تولد قرابة 450 ميغاواط، أي ما يعادل خُمس الاستهلاك الوطني والذي يكفي لتزويد كافة مناطق المملكة بالكهرباء لما يصل إلى 6 ساعات يوميا، مع إمكانية التوسع لتحقيق أمن طاقي أشمل وأكثر استقلالًا.
المياه.. التحدي الأكبر أمام الأردن
يُعتبر قطاع المياه من أبرز التحديات التي تواجه الأردن، الذي يصنف كواحد من أفقر دول العالم في الموارد المائية. فبحسب المؤشرات، تحتاج المملكة نحو 3 ملايين متر مكعب يومياً لتلبية مختلف الاستخدامات.
رغم اعتماد الأردن على مصادر خارجية، من بينها 55 مليون متر مكعب سنوياً تُزود من بحيرة طبريا عبر قناة الملك عبد الله بموجب اتفاقية وادي عربة، إلا أن التحديات المائية ما زالت قائمة.
وأكد الناطق الرسمي باسم وزارة المياه، عمر سلامة، في تصريحات سابقة، أن الوضع المائي مستقر إلى حد كبير، مع خطط شاملة للتعامل مع كافة السيناريوهات والتحديات المحتملة.
على مدار السنوات الماضية، نفذت الحكومة مشاريع ضخمة مثل مشروع نقل مياه الديسي، وتجديد شبكات المياه، وإنشاء سدود جديدة، لكنها لم تغطّ بشكل كامل احتياجات القطاع. لذا يعمل الأردن حالياً على مشروع "الناقل الوطني" الذي يعد استراتيجية وطنية هامة لمعالجة نقص المياه، ويهدف لتوفير 300 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً، تغطي احتياجات عدة محافظات.
كما تشمل الخطط تقليل الفاقد المائي بنسبة 2% سنوياً، ورفع استيعاب السدود إلى 285 مليون متر مكعب، إلى جانب تطوير جمع مياه الأمطار وتحسين كفاءة استخدام المياه، خصوصاً في الزراعة.
تبلغ تكلفة مشروع الناقل الوطني حوالي 2.8 مليار دولار، وقد خصصت الحكومة حوالي 815 مليون دولار من خلال المنح والقروض، مع السعي لتأمين التمويل اللازم لاستكمال المشروع.