خبراء: الوصمة تحد من إقبال المتعايشين مع الأمراض المنقولة جنسيا على العلاج

3fc28d10-f5df-4abe-ae27-bd262ba9c8c4
تعبيرية

الدار -

"تحت المجهر".. الوصمة تُصنّف الأشخاص وتربطهم بصفات سلبية تؤدي إلى نبذهم
خبراء: سقوط الإعلام في فخ التمييز يفاقم من عزوف الأفراد على العلاج
خبراء: استخدام الإعلام لمصطلحات تختزل الإنسان في سلوكه يعدّ تمييزا

عدي صافي - في غرفة صغيرة داخل إحدى الجمعيات التي تقدم الدعم النفسي والاجتماعي، جلس (أحمد – اسم مستعار) يتحدث بهدوء عن تجربته مع فيروس نقص المناعة البشري (HIV).
لم يكن يتحدث بخجل مع معدّ التقرير، لكن ملامحه كانت ترسم مزيجا من الصلابة والخذلان.
يقول أحمد لموقع "الدار الإخباري":"عرفت بمرضي قبل خمس سنين، وأول شيء فكرت فيه مش العلاج، فكرت شو بدي أحكي للناس. ما كنت خايف من الفيروس قد ما كنت خايف من نظرات الناس".
الوصمة لم تبدأ حين اكتشف إصابته، بل حين قرأ أول خبر عن "ضحايا مرض العصر" أو "ناقل العدوى".
شعر أنه يتحوّل من إنسان إلى توصيف مختزل، وأن الإعلام، دون أن يشعر، يشارك في تجريده من حقه بالكرامة، يقول في معرض حديثه.
في مكان آخر، وتحديدا في أحد مراكز إعادة التأهيل، بدأ (سليم – اسم مستعار) رحلة تعاف امتدت لعام ونصف.
يقول سليم:"أنا مش مدمن... أنا إنسان. بس ولا مرة حدا شافني بها الطريقة. كل ما كنت أقدم على شغل وأحكي عن الماضيّ، يتغير كل شيء. بيشوفوني خطر، مش بني آدم".
القصتان تعكسان وجها مظلما للإعلام حين يقع في فخ التعميم والوصم. فكلمات مثل "مجرم"، "منحرف"، "مصاب بمرض العار"، قد لا تكون مجرد أوصاف صحفية، بل أدوات حقيقية للعزل الاجتماعي والتهميش، تمتد آثارها لسنوات.
وصمة الإعلام: من اللغة إلى الممارسة
تعرّف الوصمة بأنها عملية اجتماعية معقدة تُصنّف الأشخاص وتربطهم بصفات سلبية تؤدي إلى نبذهم.
وفي الإعلام، تتجلى من خلال استخدام مصطلحات تختزل الإنسان في سلوكه أو حالته الصحية. وتنقسم إلى:
* وصم لغوي: كمصطلحات "مدمن"، "ناقل العدوى"، "مريض بالمرض القذر".
* وصم ضمني: باستخدام إيحاءات سلبية في التغطية أو العناوين.
* وصم بنيوي: من خلال تكريس صور نمطية في القصص والتحقيقات.
* وصم بالتجاهل: عند تهميش قضايا فئات معينة وعدم إعطائها مساحة كافية.
وفي كثير من الأحيان، يكون هذا الوصم مقدمة للتمييز المجتمعي الذي يتجلى في المعاملة غير العادلة، ورفض التوظيف، وتقييد الوصول إلى الخدمات الصحية، بل وحتى داخل المؤسسات الطبية نفسها.
من التسمية إلى التهميش: حين تكون الكلمة سلاحا
لا يكفي وصف شخص بأنه "مدمن" دون فهم أنه إنسان يعاني من اضطراب يصنّف طبيا، وليس وصمة أبدية.
البديل الأكثر دقة وإنسانية هو وصفه بأنه "شخص يعاني من اضطراب استخدام المخدرات".
وعوضا عن وصفه بـ"منحرف" أو "فاشل"، يمكن القول إنه "شخص يواجه تحديات تتعلق بالمخدرات"، وهي صياغة تعترف بالمشكلة دون تجريد صاحبها من كرامته.
كذلك، لا يجوز اختزال المصابين بفيروس نقص المناعة في وصف "مريض بالإيدز" أو "ناقل للعدوى"، بل يُفضل استخدام "شخص متعايش مع فيروس نقص المناعة البشري"، وهو توصيف يركز على الإنسان لا على المرض.
أما الأمراض المنقولة جنسيا، فغالبا ما توصف في الإعلام بأوصاف مثل "أمراض العار" أو "أمراض الزنا"، وهي تعابير تحمل حكما أخلاقيا قاسيا.
في المقابل، أوصى خبراء باستخدام تعبيرات مثل "العدوى المنقولة جنسيا"، التي تضع الأمر في سياقه الطبي دون تشهير أو تلميح.
فخ "العيب" و"العار": الأمراض المنقولة جنسيا نموذجا
تُظهر تقارير صحية موثوقة – مثل تلك الصادرة عن "مايو كلينك" – أن الأمراض المنقولة جنسيا شائعة جدا، وبعضها لا تظهر له أعراض.
الكثير من تلك الأمراض قابل للعلاج أو يمكن الوقاية منه باللقاحات. لكن المشكلة ليست طبية فقط، بل مجتمعية وإعلامية، حسب الآراء التي استطلعها معدّ التقرير.
وحسب الخبراء فإن إطلاق أوصاف مثل "أمراض الشذوذ" أو "أمراض الزنا" لا يخدم الصحة العامة، بل يغلق الباب أمام الوقاية والفحص والعلاج المبكر.
بينما لغة مثل "العدوى المنقولة جنسيا (STIs)" تركز على الجانب الطبي لا الأخلاقي، وتساهم في تمكين الأفراد من الحصول على المعلومة والعلاج دون خوف أو خجل، وفق حديثهم.
التأثيرات النفسية والاجتماعية للوصمة
اللجنة الإعلامية في مركز سواعد التغيير، وهو مركز معني بتقديم خدمات العلاج والوقاية والإرشاد للأشخاص المتعايشين مع الأمراض المنقولة جنسيا، أقروا في حديث لموقع الدار الإخباري أن المصطلحات الوصمية تؤثر سلبا على:
* الصحة النفسية: كالعزلة والاكتئاب وانخفاض احترام الذات.
* العلاج: كرفض طلب المساعدة أو الانقطاع عن العلاج.
* الاندماج المجتمعي: كصعوبة العودة لسوق العمل أو بناء علاقات.
* الصحة العامة: كإضعاف فعالية التوعية والوقاية.
يقول أحمد في ختام حديثه لموقع الدار الإخباري:"أنا بتلقى العلاج، وبعيش حياة طبيعية. بس الناس مش مستعدة تشوف هاد، مستعدة تشوف بس الحكم".
بينما يضيف سليم:"أنا بدي أشتغل وأكمل حياتي، بس لسه الإعلام بشوفني كخطر مش كإنسان حاول ينجو".
الكلمة مسؤولية
وأكد أعضاء اللجنة الإعلامية أن المشكلة ليست في المرض أو السلوك، بل في الطريقة التي يتم اختيارها للحديث عن المتعايشين مع الأمراض المنقولة جنسيا، أو أولئك الذين يواجهون اضطرابات تتعلق بالمخدرات.
وأضافوا:"الإعلام لا ينقل الواقع فقط، بل يعيد تشكيله. وبين كلمة وأخرى، قد نصنع الفرق بين إنسان منبوذ وإنسان يُمنح فرصة جديدة".

أخبار متعلقة