يحمل مجموعة من
الأكياس التي تحتوي خضار وفاكهة، ولحوم، وبعض المواد التموينية كالأرز والمعكرونة،
ويتجه الثلاثيني عيسى إلى منزله في قرية الرفيد التابعة لمدينة القنيطرة جنوب
سوريا، والملاصقة للفاصل الحدودي مع إسرائيل، وفور دخوله يضع محتويات أكياسه في
الثلاجة التي لا ينقطع عنها التيار الكهربائي طوال اليوم على عكس حال غالبية منازل
السوريين..
في غرفة الجلوس
المضائة بالكامل، وأمام التلفاز، يجلس مع زوجته ويخبرها بتفاصيل عمله ببناء إحدى
المباني في منطقة الجولان داخل الأراضي الإسرائيلية، وتقاضيه مبلغ 100 دولار نظير
عمله لمدة 7 ساعات.
تقاطعه زوجته سمية
والفرحة بادية على وجهها، بأنه إذا ما استمر هذا الأمر سيتمكنون خلال فترة قريبة
من تسديد ديونهم، وشراء مركبة زراعية تمكنهم من إعادة تأهيل بستانهم الذي تضرر
كثيرا خلال السنوات العشر الأخيرة.
وتستكمل حديثها
بأنها اصطحبت إبنهم إبراهيم للمستشفى الميداني الذي أقامه الجيش الإسرائيلي في
قريتهم، وأخبرته عن حسن معاملتهم معها ومع إبراهيم، وكيف قدموا لهما مجموعة من
الأدوية التي تساعد إبنهم على العلاج من بعض المشاكل الصحية في جهازه التنفسي.
إحتلال ناعم
ففي غضون أسابيع
قليلة قلبت إسرائيل حالة المدينة وسكانها رأس على عقب، وعالجت كل مشاكل البنى
التحتية من كهرباء وماء ومواد نفطية، وخدمات صحية، لا بل ووفرت فرص عمل لمئات
العمال السوريين داخل إسرائيل، بأجور عالية تتجاوز مئة دولار عن كل يوم عمل، وهو
أجر لم يكونوا يحلمون به في سوريا كما يخبرنا عيسى.
حدثنا عيسى الذي
كان متخوفا من كشف هويته أو التقاط صورة له، عن تغير حياته خلال أشهر قليلة، وأنه
سعيد جدا بتواجد الجيش الإسرائيلي في مدينته، وشرح لي كيف يقوم الجيش بجلب حافلات
لتقله هو ومجموعة من أبناء المدينة إلى مدن إسرائيل، وتحديدا الجولان وتل أبيب
للعمل بالكثير من المهن الحرفية والزراعة.
يتحدث عيسى أيضا عن
مساعدات غذائية تصله إلى باب منزله بشكل أسبوعي، تساعده وأسرته على تأمين
حاجياتهم، مع دخول شهر رمضان، الذي يحتاج إلى نفقات إضافية، أما الكهرباء فهي لا
تنقطع عن منزله ومنازل قريته بعد أن عملت إسرائيل على تغذية القنيطرة بالتيار
الكهربائي عبر الشبكات الإسرائيلية.
الظلام يخيم على درعاشرقا إلى مدينة درعا، وتحديدا إلى منزل الأربعيني نادر، الذي يبعد أقل من عشرة كيلو مترات عن منزل عيسى، توجهت عبر شوارع معبدة ومضاءة، تخفت إضائتها كلما اقتربت من قرية الناصرية، أخر قرى مدينة القنيطرة، والملاصقة لمدينة درعا.
عندما تتجاوز هذه القرية تغرق في الظلام الدامس، لا كهرباء في الشوارع، ولا المنازل، طرق قليل منها المعبد، وشبكة اتصال وإنترنت مهترئة وصعبة المنال، وعند الوصول إلى منزل نادر لم يختلف الوضع.
وعلى أضواء هواتفنا الخافتة دخلنا إلى غرفة الجلوس الأرضية، وبدأ نادر سريعا بإخباري عن سوء الأوضاع المعيشية التي يعيشها هو ما يقرب من 100 ألف سوري في مدينة درعا، مقارنة مع الرفاهية النسبية التي ينعم بها أهالي القنيطرة.
ويقول نادر إن "القنيطرة أصبحت عالم أخر منذ دخول الجيش الإسرائيلي عليها، وفي السويداء أيضا يعيش السكان هناك حياة طبيعية بسبب دعم اسرائيل لكانها وهم من الغالبية الدرزية، أما نحن في درعا ما زلنا نعيش وكأننا في عام 1980، بل أسوء من ذلك".
ويكمل نادر "الكهرباء لا تأتي سوى ساعة أو ساعتين في اليوم، لا تكفي لإعادة شحن هواتفنا، أو بطاريات الإضائة الخفيفة لدينا، وكذلك نواجه صعوبة في تأمين مياه نظيفة، أو الوصول إلى خدمات صحية جيدة، عدى عن عدم وجود مصادر رزق في المدينة، ونعتمد في معيشتنا على التحويلات المالية التي تصلنا من أفراد أسرنا العاملة خارج سوريا".
وبطريق المزاح التي لا تخلو من الجدية والتمني قال نادر "لو أن الجيش الإسرائيلي يرفع من تحركاته ويصل إلى درعا لنعيش كما يعيش سكان القنيطرة".
ما تريد إسرائيل من الجنوب السوري
لكن هذا الخرق اعتبره الرداد محاولة من قبل إسرائيل لحماية أمنها ومنع أي
هجمات محتملة عليها في المستقبل، وتحويل مدن الجنوب السوري وهي السويداء والقنيطرة
ودرعا، إلى حائط سد استباقي عن حدودها، مشيرا إلى أن هذا التوجه ظهر جلي بعد
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا عن رفض وجود أي قوات
عسكرية مسلحة داخل الجنوب السوري.
وبين الرداد أن ما تقوم به إسرائيل من تقديم مساعدات خدمية ومالية لسكان
الجنوب، أحد أساليب الحرب التي تمكن الدول من السيطرة على مكان ما دون مواجهة
عسكرية، بل عبر إغراء السكان بظروف معيشية أكثر رفاهية من وضعهم داخل دولهم
الأصلية.
ويعيش وفق الأرقام الرسمية السورية قبل سقوط النظام السابق، ما يقرب من
مليون سوري في محافظات الجنوب، غالبتهم من المسلمين السنة، بينما تتواجد غالبية
درزية في محافظة السويداء.